الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

العدالة الرقمية الذكية

كنا بالأمس نرمق المستقبل من بعيد، والحكومات والشركات تسعى جاهدة لتبنّي استراتيجيات للرقمنة والأتمتة والذكاء الاصطناعي وغيرها، فإذا بفيروس يقلص المسافة للمستقبل إلى الصفر، لنجده ماثلاً أمامنا بجميع تفاصيله وحيثياته برغم ثورة البقاء عبر اللقاحات.

فتجد الخبراء في كافة المجالات ممن كانوا يتدارسون التوجّه إلى رقمنة الخدمات، وأتمتة العمليات وتوظيف الذكاء الاصطناعي، وتسخير الثورة الرقمية والبيانات الضخمة لخدمة الإنسان كخيار وتوجّه استراتيجي، فإذا بالجميع في التوّ واللحظة أمام جائحة جامحة فرضت ضرورة ملحّة للتحول الرقمي والذكي لأجل البقاء.

ومن هنا، فإن ظروف كوكبنا الحالي في معالمه الجديدة، وشواهده الفريدة بعد الجائحة، وبوتيرته المتسارعة، لم يدع مجالاً لمن ينكص على عقِبيه أو ينفض يديه يائساً، فالرتابة التي كُنَّا نركَن فيها إلى النمطية كانت تأكل الوقت والجهدَ بنَهم، وتجترّنا إلى التقادم مسافاتٍ وأزماناً، حتى غافلنا الوباء الذي دفعنا لزاماً للتوجه نحو التعايش والتواصل والتعلم والتعليم والتقاضي والتسوية والتحكيم والتوثيق وقل ما شئت، ولكن عن بعد.


والحقيقة، باتت العدالة الرقمية الذكية وما يرتبط بها من موجبات رفع مستوى كفاءة أنظمة التقاضي والتحكيم وتسوية وفض النزاعات، وتقليص أمد الخصومات، وتقليل التكاليف، وتسهيل وسرعة الإجراءات، أولويات حياتية بعد أن أعفت الجائحة القضاة والمحكمين والمحامين وأطراف النزاع من التقارب المكاني إلى التباعد المجتمعي والمهني عبر توظيف وتفعيل التقنيات الحديثة، مثل مؤتمرات الفيديو، وغرف الاستماع عن بعد، والمنصات والتطبيقات الذكية.


ما أحوجنا اليوم أمام هذه النقلة النوعية والكم الهائل من الخدمات الالكترونية، وأدوات الثورة الصناعية الرَّابعة في الوساطة والتحكيم والتقاضي، وأعمال المحاماة وما يرتبط بمنظومة إدارة وتسوية وفض مختلف أنواع المنازعات عن بعد، أن نتذكر أن أمامنا دروبٌ ممتدّة لنقطعها ونصل إلى منتهاها، هذا إن عرف زماننا منتهى لما يحدث فيه من تحديات وتطورات متسارعة.

لايزال أمامنا تحولات ذكيَّة في المستقبل القريب، بعضها أعددنا له، وبعضها الآخر غير محسوب العواقب، ولابدّ من استباقية في منظومة العدالة الناجزة متعددة الأبواب بنظرة تكاملية عبر إعادة النظر في مساقات وآليات تدريس القانون، وبرامج تمكين كافة فئات العمل التشريعي والقضائي والتنفيذي والمساند، وضمان إتاحة وفاعلية آليات التسوية والتنفيذ، وأخيراً تبقى حوكمة المحتوى والمضمون هي الجوهر الأساسي لأيّ تحولات مستقبلية: فهل نحن جاهزون لهذه النقلة نحو العدالة الرقمية الذكية؟