الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

من مذكرات «بيانيست» مبتدئة

الأمنيات غير المحققة قد تخبو لكنها لا تموت أبداً، يبقى حلم تحقيقها حيّاً وإن تعثرنا مراراً لتحقيقها.. في هذا السياق أستذكر، هنا، حديثاً وديّاً، لأستاذ جامعي، تجاوز عمره التقاعدي 15 عاماً، علِمَ بمعاناتي، في العثور على معلمة بيانو، قائلاً:

ــ «ابنتي فاطمة، لا تتخليّ عن أمنيتك، وها أنا، وفي هذا السن، لا تزال لديّ أمنية قديمة، في تعلّم رقصة «التانغو»، وبالفعل عثرت مؤخراً على معهد لتعليم الرقص في مدينتي، وأنا سعيد جداً الآن».

وذات يوم، أرسلت لي واحدة من الصديقات، مدرّسة، لتعطيني دروساً في البيت، كانت قد التقتها في أحد صالونات التجميل.. استقبلتها، وفي لحظة تخطيّها عتبة بيتنا، كان أخي آنذاك يهّمْ بالخروج، بعدها بثوانٍ معدودة، هاتفني ليستفسر عن الضيفة، قلت له:

ــ أنها مدرّسة بيانو.

فجاوبني:

ــ «من وين اتلقطيهن هذيله»؟!

الذئب أخي، «شمْ» رائحة سجائر منبعثة منها، فنبهني، بأنّ ضيفتي تدخن، والتدخين في بيتنا محظور حفاظاً على صحة والدتي، بسبب أزمة الربو.. المهم، قمتُ بواجب الضيافة معها، وتعارفنا بشكل مبدئي، واتفقنا على أن تعطيني درسين في الأسبوع.

أثناء حديثنا، نوهّت عن إعجابها لدعم«زوجي» في تحقيق أمنيتي الأثيرة، فقمتُ بدوري بتصحيح استنتاجها الخاطئ، وقلت لها:

ــ هذا ليس بزوجي.. إنه أخي.

الحرمة.. فجأة تغيّرت ألوانها، وتفتحت أساريرها، وتبرعت من نفسها بـ«تكثيف» دروسها لي، لأنها وجدت فيّ تلميذة شغوفة، وأمتلك موهبة حقيقية، وهي من سيقوم بـ«نبش» هذه الموهبة، وصقلها بمعرفتها، وجهودها بإذنه تعالى.

في الزيارة الثانية، لم أكد أعرفها، وكأنها كائن آخر غيرالذي استقبلته قبل يومين فقط، فقد تخلَّت عن لباسها المحتشم تماماً، تعتلي سحنتها حفلة أصباغ، مائية ثقيلة، فضلاً عن ذلك، استشفيت من خلال رائحتها ولغة جسدها غير المنضبطة، أنها يمكن تكون شاربة «ماي غريب»، أو«متقهوية»!

رنّ هاتفها، فأخذت تمزح، وتتغنّج بلهجتها بلا حذر، وكأنها تريد استثارة أحداً ما، بعد إنهائها المكالمة، اعتذرت لي لربما أزعجتني، أو أزعجت «أخي»، فقلت لها:

ــ ولا يهمك أخي خارج البيت.

هنا، انخطف لونها! ولكن والدتي انزعجت منها كثيراً، ولم يعجبها الحال، لتدخل علينا، وتُنهي الدرس بكلمتين، قائلة لي:

ــ بنطلع.. خالتك مسويّة حادث، البسي عباتك!