السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الأمن الروحي.. والفكري

في وقت يقف فيه العالم على قدم وساق من أجل إنجاح عملية اللقاح ضد كورونا، والتي يأمل الجميع أن تعود بعدها الحياة لطبيعتها، وأن تستأنف البشرية أنشطتها وتحركاتها، يبدأ التفكير مجدداً في بعض الملفات التي ظلت عالقة لعام تقريباً، ومنها ملف التطرف والإرهاب وموضوع العائدين من بؤر التوتر، وكيفية التعامل مع هذا الملف الشائك والمعقد.

لا شك أنه في الوقت الذي كان العالم منشغلاً في مواجهة «كوفيد-19»، كانت الجماعات المتطرفة والإرهابية تستجمع قواها، وتنظم اوراقها وأولوياتها، وتشغِّل أيضاً كتائبها الإلكترونية من أجل حشد متعاطفين ومؤيدين جدد، وهي تجد في الغالب أذاناً صاغية له، مستعدة للتفاعل مع خطاباتها لأسباب كثيرة، ليس هنا مجال الحديث عنها.

هذا الخطر الدائم يستدعي اعتماد مقاربات شاملة ومتعددة الأبعاد لمنع التطرف ومكافحته بين أوساط الشباب، ومن ضمنها، المقاربة الدينية التي يجب أن تشمل تدابير استباقية منها:

أولاً، رعاية الكتاتيب ودور تحفيظ القرآن، باعتبارها الحصن الأول الذي يحمي الأطفال من التطرف، وجعلها تحت وصاية الوزارة المعنية، لمواجهة مشكلة التعليم الديني الموازي الذي ظهر في بعض الدول العربية، خاصة تونس، بعد 2011، الذي يرمي إلى التشكيك في قيم الدولة المدنية، وروح الديمقراطية والحداثة التي يتميز بها المجتمع التونسي.

ثانياً، تنقيَّة البرامج والمقررات التعليمية، في كل مراحلها، من آراء التطرف والغلو وفتاوى التكفير وفقه الكراهية والتحريض على القتل، وتضمين المقررات المدرسية قيم التسامح والسلام والتنوع وقبول الآخر، وإعطاء الأولوية للنصوص الإسلامية ذات المضمون التعددي والوسطي، وإعداد دورات تدريبية للمدرسين حول الكيفيات التربوية الممكنة في مواجهة التطرف داخل المدارس.

ثالثاً، بناء خطاب ديني رسمي وموازٍ يكون أكثر اعتدالاً وتسامحاً وقبولاً للآخر، ومن الأهمية أن يكون المشرفون على هذا الخطاب مؤهلين نفسياً وعلمياً ودينياً وتربوياً للانخراط في عملية البناء هذه، ما يعني الحاجة إلى تكوين الأئمة والمرشدين والوعاظ وكل القائمين على العملية التربوية في المؤسسات التعليمية الدينية، تكويناً شاملاً يجعلهم مؤهلين لنشر اسلام معتدل مبني على خطاب ديني منفتح على الثقافة الإنسانية، ومكتسباتها الحضارية، ومتشبع بقيم حقوق الانسان.

من خلال تحصين الأطفال والتلاميذ والطلاب وتلقينهم قيم التسامح والتعددية والسلام، ومن خلال تأهيل الدعاة والائمة والمرشدين والمرشدات، وتكوينهم تكويناً علميّاً ودينياً معتدلاً قادراً على القطع مع كل التفسيرات المتعصبة والمتشددة للنص الديني، سنستطيع مواجهة خطابات التطرف وجماعات الإرهاب وتحقيق الأمن الروحي والفكري للشعوب.