السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

أبجديَّتُنا الذَّوْقيّة

على الصعيد الشخصي، أمتلك عنواناً عريضاً، وهو: «وإن غابت، أو انتفت المصلحة بيني وبين الآخر، فلا يعني أن تغيب الأخلاق»، فالمصالح تغيب، وتحضر، لحاجتها، ولكن الأخلاق أو «الأدبيَّات»، لا بد أن تبقى، لأن بدونها ستعمُّ الفوضى، ولن يبقى تقدير للكبير بل لن يبقى تقدير، أو احترام لأحد.

اجتماعيّاً، الناس تنجذب وتحترم الفرد الذي يتعامل بكياسة وبذوق مع الآخرين، وتجده مرغوباً فيه، وحضوره باعثاً للارتياح وللسعادة، بينما الشخص الذي لا يملك أي معايير ذوْقيَّة، ولا يراعي تصرفاته سواء مع أصدقائه، أو زملاء عمله، أو في الحياة العامة، فتجده شخصاً منبوذاً ولا أحداً يقربه، وحياته محكومة بالفوضى.

قد يعتقد البعض، بأن مراعاة الذوقيَّات، والآداب العامة، أو بما يعرف بـ«الإتيكيت»، هي مجموعة قواعد خاصَّة جداً مقتصرة على الطبقة الأرستقراطيَّة، أو الطبقة الاجتماعية المرفهة، بينما أصل مفهوم الإتيكيت كما قرأته هو «احترام النفس واحترام الآخرين وحسن التعامل معهم»، أو «مجموعة الآداب الاجتماعية والآداب السلوكية، واللباقة، وفن التصرف في المواقف الحرجة».

فمراعاة الآداب العامة، واحترام ذاتك، واحترام من حولك، واكتساب احترام الآخرين ليس مرتبطاً بالغِنى أو الفقر، كما أن الإتيكيت، أو الآداب السلوكية الراقية هي ليست «منظومة ذوقيات» اخترعها الأوروبيون وصدّروها لنا، فشُغف بها البعض منَّا، والبعض الآخر لا يزال يجهلها؛ فظل في غابته يشعل النار بقدح حجرين صوّان!، لا، فنحن أمة الأخلاق والذوقيات الراقية، فالقرآن الكريم قدّم لنا أرقى منظومة أخلاقية، وتربوية، وذوقية شملت جميع تعاملاتنا الحياتية، ولكن، الأغلبية يقرؤون بلا تمعن، أو تدبر لآياته.

المُخَالفات التي يرتكبها أغلب الناس، من عدم مراعاتهم لأبسط الأبجديات الذوقية في الأماكن العامة، أو الخاصة، فاضحة، ومزعجة، ولا تنسجم مع المشهد الحضاري العام، فسلوكيات أفراد المجتمع مرآة تعكس مدى تطورهم، وارتقائهم الاجتماعي، كما أنها تخلق لدى الآخرين إحساساً بالمواءمة، والانسجام ما بين التطور الحضاري الميداني والرقي الإنساني الأخلاقي، المتجسِّد في سلوكياتهم المتحضرة.

في القرن الـ18، استطاعت الملكة فيكتوريا أن تؤسس لفن الذوقيات العامة عبر طقوس تقديم الشاي الراقية، ثم شاعت تلك الطقوس بين الشعب البريطاني إلى أن أصبحت تقليداً أصيلاً، اجتماعيّاً، شبه احتفائي عبر سلوكياتهم اليومية؛ لتصبح ـ بحسب قناعاتهم ومقاييسهم ــ «الحياة كما ينبغي أن تكون»!.