الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الارتقاء بالروح.. غاية التديُّن

فقراءُ أبناء هذا الجيل في التأمل والخيال، ضعفاء في السباحة في ملكوت عوالم الغيب، وبائسون في حياتهم الروحية؛ التي لم يعد فيها من الروح إلا الاسم، يصومون صوماً ماديّاً، ويصلُّون آلياً، ويحجون ويعتمرون بصورة ميكانيكية، ولا بأس أن يحرص الواحد منهم على التقاط صورة سيلفي مع كل ركن من أركان الكعبة، ومع قبر الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، صورة تعكس الصورة الحقيقية للمكان في قلبه وعقله، فهو مجرد مكان سياحي، وربما تحولت الصورة إلى وسيلة للتفاخر بأداء الحج والعمرة؛ ليتحول ذلك إلى رصيد مادي في العمل والوظيفة والتجارة والعلاقات، سر هذا الفقر والبؤس أن الدين تحول إلى وسيلة وليس غاية، وصار عرَضاً للإنسان أي صفة له، وليس جوهراً، أي وجوداً للإنسان ذاته.

الدين عند جميع البشر هو جوهر الوجود، هو الغاية من هذا الوجود، لذلك يعني خضوع الإنسان للإله، والانقياد له، والطاعة والتسليم لأوامره، والعمل على مرضاته، لأنه هو، أي الإله، غاية الوجود، ومقصد كل موجود، كل الأشياء وسائل في طريق الوصول إليه، المال والجاه والذرية والنفس، كلها وسائل توصلنا إليه، فهو غاية الغايات، وعنده تقف الغايات جميعها، فلا غاية بعده، وهو المقصد الأسمى، والملجأ الأعلى، وهو المنتهى، وإليه الرجعى، وكل شيء لا قيمة له إلا إذا قربنا إليه.

الدين جوهره الخضوع للديان والتسليم له، لذلك كان الدين عند الله الإسلام، والإسلام هنا هو التسليم والاستسلام لله وهو دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وعيسى المسيح ومحمد بن عبد الله، عليهم الصلاة والسلام، جميعهم دينهم هو الإسلام، كما وصفهم القرآن الكريم.


الارتقاء بالروح الذي يقود إلى السمو بالنفس وتجلي الأخلاق في السلوك هو غاية الدين من تدين الإنسان به، لأنه دون تحقيق هذه الغاية تتحول جميع العبادات والشعائر إلى طقوس مادية لا علاقة لها بجوهر الدين.


ومن هذه الشعائر المعتبرة الصيام وهو أعلاها وأهمها لأنه عبادة خاصة بين العبد وربه، لا رياء فيها ولا مظاهر، ولكن جوهر الصيام هو الامتناع عن كل ما يُغضب الخالق من أفعال المخلوق، وأدنى درجات الصيام كما قال حجة الإسلام أبوحامد الغزالي المتوفى 1111: «هو صيام العوام وهو الامتناع عن الطعام والشراب وسائر الشهوات المادية، وأوسطها صيام الخواص وهو الامتناع عن أفعال غير مادية مثل الغيبة والكذب والغش والخداع... إلخ، وأعلاها صيام خواص الخواص وهو صيام الروح عن التعلق بغير الله والتفكير فيمن سواه».