الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

«المتقاعدون العرب».. والدرس الياباني

‏لا يزال نزيف الخبرات مستمراً في عالمنا العربي من جهات العمل في مؤسساتنا الحكومية والخاصة عبر نافذة التقاعد، دون الوقوف والتريث وإعادة النظر لهذا الهدر من الطاقات، التي صُرفت عليها الملايين من أجل صقلها وبناء خبراتها الإدارية والفنية لتطوير منظومة العمل في مختلف الجهات.

وبالنظر إلى المجتمعات المتقدمة، نجد اليابان بالرغم من تعدادها السكاني البالغ في سنة 2020، أزيد من 126 مليون نسمة، فإنها تعتبر المتقاعدين «ثروة قومية»، حيث سعت إلى استثمار هذه العقول وخبراتهم ليتم إعادة توظيفهم بمسميات مختلفة، منها: استشاري أو خبير وغيره، من أجل أن يقدم خلاصة تجاربه للأجيال الجديدة.

وهناك نماذج مشرقة لدول تقدم للمتقاعد امتيازات أكثر من الشباب العاملين غير اليابان، حيث نجد السويد وسنغافورة مثلاً تلزمان المؤسسة، التي كان يعمل بها تشغيله بمسمى (مستشار)، وتخصص له مكتباً يشارك فيه مدة ساعتين يومياً في فعاليات تلك المؤسسة حسب تخصصه وتقديراً له، كما تقدم له امتيازات أخرى من مثل: التأمين الصحي وتذاكر وخصومات للسفر وغيرهما.

هذا الفكر الجديد والحديث في كيفية استثمار العقول والخبرات لا يزال مفقوداً في عالمنا العربي، لا سيما أن علم الاستفادة من الخبرات (القوى البشرية) أصبح من ضمن الدراسات العليا التي تطرح كيفية الاستفادة من العقول والخبرات، وإعادة توظيفها في سوق العمل، بخلاف ما يحدث في عالمنا العربي تماماً عندما يبلغ الموظف منتصف الـ50 أو الـ60 عام يتفاجأ بأنه أُحيل للتقاعد وهو في أوج توهجه وعطائه.

الملاحظ أن هناك خبرات إدارية وفنية في مختلف المجالات اختفت من الساحات وهي في قمة عطائها مع أنه في استطاعتها تقديم الكثير، فلم لا يتم التمديد لأفرادها أو تعديل مسمياتهم وتحويلهم كمستشارين أو خبراء في بيئة عملهم؟! أو لِمَ لا يتم الاستعانة بهم بدلاً من جلب الشركات الأجنبية، التي تكبد الدولة ملايين من الدراهم في تقييم ودراسة المشاكل الإدارية والفنية.

‏لا يمكن أن يشعر العامل بالأمان الوظيفي وهو يرى أمامه كيف يتم تسييل الموظفين القدماء وإنهاء خدماتهم بشكل غير لائق لتاريخهم المهني، في حين عند الجهات التي تتمسك بموظفيها وتقدر طاقاتهم وجهدهم يصبح «الأمان الوظيفي» مستقراً لهم ودافعاً لتقديم كل ما يملكون من طاقات إبداعية، وسنداً قوياً يدفعهم للإبداع والابتكار لأن بيئة العمل أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية وهويته التاريخية.