الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

أعذب الحب.. أكذبه

قال الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب عن المطرب الراحل عبد الحليم حافظ: «إنه لم يكن يصدق إلا وهو يغني»، ومعنى ذلك في رأي عبد الوهاب أن (حليم) كان يكذب طول الوقت إلا وهو يغني، والكذب صار سمة كل المجالات، فالسياسة مثلا هي: فن الكذب وكذلك الإعلام والفن والمحاماة والأدب

العرب تقول: «إن أعذب الشعر أكذبه»، ونحن نطرب للكذب خصوصاً في المدح بما ليس فينا من صفات جيدة، ومن مدحني بما ليس لي فسوف يذمني ويقدحني بما ليس لي.

ويقول المصريون في أمثالهم العامية: «الكذب مالوش رجلين»، وهذا مثل لم يعد له محل من الإعراب، إذ صار الكذب يطير بجناحين، وصار حرفة ومهنة، وتأنق الرجل كذب، وتجمل المرأة كذب، والإعلانات كذب مدفوع الأجر.

وكان جوزف غوبلز وزير إعلام ودعاية أدولف هتلر يقول: «اكذب ثم اكذب حتي يصدقك الناس»، ونقول في أديباتنا الإعلامية: (الكذب بياع والصدق كاسد)، فالخبر الكاذب يروج وينتشر أكثر من الخبر الصادق، وكثيراً ما يُكذّب الناس نفي الجهات الرسمية للخبر الكاذب بينما يصدقون الكذب نفسه، ويرون أن النفي هو الكاذب، والسياسة الدولية مبنية علي الكذب والتدليس والغش، والحب في أيامنا هو القدرة على إتقان الكذب، فالعاشقان يعرفان أن كلاً منهما يكذب على الآخر لكنهما يشعران بلذَّة غريبة في هذا الكذب، وزواج العاشقين هو الذي يسقط قناع الكذب ويكشف زيف قصص الحب.

ومن عجب أننا نبرر الكذب بتلوينه، فنقول كذبة بيضاء وكذبة سوداء، والحق أن الكذب كذب في كل أحواله، والكذب قول وفعل، فالغش التجاري كذب، والتدخل في شؤون الدول بذرائع حقوق الإنسان أو امتلاك أسلحة دمار شامل كذب، والوعود بأن كل شيء سيكون على ما يرام في المرحلة المقبلة كذب، ونحن نلدغ من الجحر الواحد للكذب ألف مرة لأننا مغيبون ومنتشون بالأعذب ولو كان الأكذب، فأعذب الشعر والحب عندنا أكذبه!