السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الإنسان.. كائن مُحيِّر

الإنسان كائن غامض يصعب كشف أغواره، فمظهرُه لا يعكس بالضرورة حقيقتَه، فقد تراه في لباس أنيق فتظنه في رَغَدٍ من العيش، وهو في فقر مدقِع ليس عنده ما يَسُدّ رمقه، وتراه راكعاً ساجداً، وهو بعيد كل البعد مِن التديُّن، يفعل ذلك رِئَاءَ الناس! وقد يَتَزلَّف إليك حتى تعتقد أنّك أحبّ إليه من نفسه، وهو يُبغضك ويتمنَّى موتك أو زوال عافيتك!

لذلك يصعب التنبؤ بسلوك الإنسان غداً انطلاقاً من تَصَرُّفه اليوم، لأنَّ سلوك الإنسان تُحدِّده عوامل كثيرة معقدة لا يمكن الإحاطة بها، وليس سلوكه وحده هو الذي يتغير، فنِيَّتُه اليوم قد تتغير غداً، وعِلم النفس، أو غيره، لا يستطيع إدراك جميع الظروف المحيطة بالإنسان في الحاضر أو الماضي، فضلاً عن المستقبل.

ولعله لا يُوجَد مجال يوضح ذلك أفضل من الانتخابات، إذا نُظِّمت بطريقة سليمة خالية من الإكراهات، ففي الانتخابات الرئاسية الأمريكية (2016) كان الناس يتوقعون فوز هيلاري كلينتون وفجأةً فاز ترامب.


وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة (2020) توقع الخبراء في بدايتها انتصاراً كاسحاً لجو بايدن، وبعد ساعات انقلبت التوقعات، ثم عادت الكرة مرة أخرى ففاز بايدن، وهذا ما جعل الدكتور جون هاريسون محلل السياسات، الذي كان يعلق على هذه الانتخابات في قناة سكاي نيوز العربية، يعلن توقفه عن الإدلاء بتوقعاته.


وفي الانتخابات الرئاسية التونسية 2019، فُوجِئ الناس بفوز قيس سعيِّد ونبيل القروي في الدورة الأولى، رغم أنَّ ذلك لم يكن مُتَوقَّعاً، خاصة أن أحدهما ظل في سجنه طيلة الحملة الانتخابية، والآخر، كما يقول بعض المراقبين، عجز ماديّاً عن تنظيم حملة انتخابية ذات بال.

وفي الاستفتاء البريطاني حول الخروج من الاتحاد الأوربي قُلِبت التوقعات رأساً على عَقِب، ويمكن القول: إن كثيراً من الانتخابات الرئاسية (الحرة) التي جَرَت في السنوات الأخيرة أتت بمفاجآت.

لذلك، فإن الدراسات المستقبلية المتعلقة بالإنسان لا يمكن التأكد منها، خلافاً لتلك المتعلقة بسلوك الطبيعة أو الحيوان، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يمكنه أن يُظهر لك شيئاً ويفعل عكسه، ويمكنه ألا يأكل ولا يشرب رغم حاجته الماسة إلى الأكل والشرب، ولا ينطبق ذلك على الحيوان، فليس بالنادر أن يُضرِب الإنسان عن الطعام لسبب من الأسباب. إنه فعلاً كائن مُحيِّر!