الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

من شأن الجماعة والاجتماع

شأن الجماعة والاجتماع في الإسلام عظيم، والدين اعتنى بذلك عناية فائقة في كافة تشريعاته التعبدية والمدنية، لأنها الأداة الحاسمة في القضايا المصيرية، وفي التشريعات وسن القوانين والأنظمة المتعددة.

لا شك أنه ينبغي التمييز بين العهد الذي كان فيه صلى الله عليه وسلم بين ظهراني صحابته، وبين عهد الخلفاء الراشدين، من بعده، كذا حرصه على استشارة أمته في كافة أمور دنياهم، فيما نزل فيه تشريع، وفيما لم ينزل فيه كذلك، ووضعه صلوات ربي وسلامه عليه ميثاقاً لترتيب العلاقات بين المهاجرين والأنصار، وكافة القبائل المجاورة، بما ينظم كافة التشريعات المتعلقة بجوانب الحياة كلها، وكافة مظاهرها الدنيوية، وبالطبع التعبدية.

المتتبع للشرع سيعلم أنه متلائم مع الديمقراطية الحقيقية، وليس للمسلمين أي عقدة نفسية ضد فكرة المجتمع المدني، بل على العكس من ذلك تماماً، وإن كان هناك عيب، فهو في الذين ضيعوا الأمانة، لأن الإسلام قاد ويقود الناس بخطى واثقة على المحجة البيضاء، مع انفتاح على كل ما هو نافع من تجارب الأمم وعطاءاتها في مختلف الميادين، وحرص مستمر على بناء أنموذج صالح لأن يكون قدوة للبشر.

مؤسسات المجتمع المدني في المجتمع الإسلامي متكفلة ـ أو هكذا ينبغي أن تكون ـ بأداء المهمات التي تسهم في نهضة المجتمع، مع الحرص على أن يكون الإنسان مكرماً معززاً، وأن تكون حقوقه محترمة ومصونة، وأن يكون مع من حوله أصحاب الحق في تعيين مصيرهم، وأن تكون الحكومات خادمة ومعينة للشعوب، وهذا لا يعني سلب حقها من حماية النظام بالقانون، الذي يجب أن يخضع له الحكام والمحكومون، بكل الأدوات المتاحة والمنصوص عليها قانونيّاً، لأن أصل العلاقات مبني على عقد اجتماعي من مفرداته الالتزام بالحفاظ على استقرار المجتمع، واحترام حدود الفعل السلمي في التعاملات، وحماية النظام العام كخير مشترك، لا يمكن أن يكون بدونه نماء أو ازدهار.

لقد خطب سيدنا عمر رضي الله عنه بالشام فقال: «قام فينا صلى الله عليه وسلم، مقامي فيكم؛ فقال: استوصوا بأصحابي خيراً، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يعجل الرجل بالشهادة قبل أن يسألها، وباليمين قبل أن يسألها؛ فمن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد ومن الاثنين أبعد، فمن سرته حسنته، وساءته سيئته فهو مؤمن» (رواه الترمذي وأحمد والحاكم).