الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

المثقف.. الشمولية والضمير

للحديث عن دور المثقف، هناك جملة من الأسئلة تطرح دائماً، منها: هل للمثقف وظيفة في المجتمع أم أنه مجرد كاتب، وفنان هاو؟، وهل هو من خلال ثقافته واطلاعه وتأثيره في الآخرين ملزم بأداء دور معين؟ وما مدى تأثير كلماته اليوم؟، ومن هو جمهوره؟

المثقف كما قال عنه ميشيل فوكو: «يجسد ضمير الإنسان، الذي يوقظ فيه الوعي، ويبشر المجتمع بالحقيقة»، وهو ما أطلق عليه اصطلاح ''المثقف الشمولي'' حامل رسالة التغيير.

هنا أتذكر قولاً للشاعر الكبير نزار قباني، نصه: «لا أستطيع أن أغلق نوافذي وأجلس على كرسيي المريح بعيداً عما يحدث في الخارج»، وهذه حقيقة المثقف الحقيقي، الذي يخوض عراك الحياة الحقيقية ويكون قريباً من الناس؛ ولا يحبس نفسه في أبراج عاجية، مثل أولئك الذين أطلق عليهم "المثقف العضوي"، ولا أوافق الرأي الذي يضع المثقف في إطار النقد فقط، فهو ابن الحياة ومعلمها.

المبدع، الذي اتفقت بعض وزارات الثقافة العربية في خطوة رائعة على منحه تفرغًا من وظيفته ليتفرغ لإبداعه الأدبي، مع استمرار صرف راتبه بل مكافأة مضافة، هو مثقف قادر على الإنجاز والإبداع ورعاية المواهب الشابة وصقلها، فتوفير نواد للتواصل معهم والإفادة من تجربتهم عمل مجتمعي ثقافي ذو قيمة عالية.

بعضنا يصنف المبدع حسب مواقفه وتوجهاته السياسية، وأنا اقتنعت مؤخراً أن أجرد إبداعه من هذه التوجهات وأكتفي أن أصفق لفنه ونتاجه دون أن أضعه في دائرة الاتهام، فكثير من المبدعين تختلف كتاباتهم عن سلوكياتهم في الحياة.

الثقافة قيمة إنسانية عالية ترتقي بالمجتمع والإنسان، وتعكس نتائجها عليهما، لذلك يختلف الإنسان المتذوق للوحة جميلة أو كلمة عذبة عن ذلك الذي لا تستوقفه هذه الأمور، وتكون طاقات الأول خلاقة، وشغفه كبيرا للإنجاز والتميز.

المثقف يترجم مشاعر البشر الذين لا يحسنون التعبير عن مكنوناتهم فهو لسان حالهم، قصائده تعويذة حياة ومعزوفة أمل، وفنّه ترجمة صادقة عن قضايا مجتمعه، لذلك من المهم الالتفات لمكانته ودوره لأنه حساس بطبعه ينتظر لفتة المجتمع والحكومات، وكما نعلم عاش معظم المبدعين فقراء، وبعد غيابهم تنبّه العالم لمقتنياتهم التي بيعت بالملايين، لكن لم يكونوا المستفيد الأول منها.