الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

التحكيم المؤسسي فى دول الخليج العربي

من يتابع فعاليات التحكيم المؤسسي التي تنظمها مختلف عواصم الخليج العربي، يكاد يجزم بأن الكثير منها يدور فى فلك التنظير، وتفادي التصدي بشفافية للإشكاليات العملية، والفجوة الماثلة بين المفهوم والممارسة التي يشوبها أحياناً القصور وغياب الأصول المرتبطة بالطبيعة المحافظة للتحكيم؛ ما يؤثر على سمعة وثقة الأطراف بمراكز التحكيم المؤسسي.

منذ أيام شاركني أحد الزملاء تقرير حضوره ندوة عقدت ضمن فعاليات «المؤتمر السعودي للقانون» بعنوان «التحكيم المؤسسي: حقيقة المصطلح والواقع العملي»، وما أن انتهيت من تفحص التقرير، ألح عليّ قلمي أن أسجل وقفتين من واقع مخرجات الندوة العملية فى طرحها وتأصيلها، التي أزعم أنها تركت الحضور بتساؤلات أكثر من إجابات.. الوقفة الأولى: التواجد العددي لمراكز التحكيم فى الخليج، التي يبلغ عددها نحو (25) مركزاً.. فهل هي حقاً منصات فاعلة لقضاء التحكيم بمفهومه الفني الدقيق أو وفق الفكر القضائي البريطاني: «مورد خدمات عدلية بفاعلية وموثوقية»، أم هي مراكز «متواجدة» وليست «موجودة»؟ والدليل، شكلت قضايا التحكيم من أطراف خليجية نسبة 12% فى مركز سنغافورة فى عام 2019، وتجاوزت النسبة 13% فى عام 2018 لأطراف من الإمارات وقطر وعمان، وفى محكمة لندن للتحكيم الدولي تخطت النسبة 10% فى العام الماضي، والسؤال: لماذا هذا التوجه للأطراف الخليجية نحو مراكز سنغافورة ولندن وباريس؟

الوقفة الثانية: لا تقُل مركز تحكيم، ولكن قُل «منظومة تحكيم متكاملة»، فقائمة المحكمين المعتمدين وفق معايير دولية، ومستشارو القضايا، ولجنة الفصل فى الطلبات، والمراجعة الشكلية للأحكام، وشفافية تعيين المحكمين، ومستوى الاستقلال للمركز، ووضعه القانوني والتكاملية مع النظام القضائي، والشراكة مع المجتمع الدولي، والتحديث الدوري للقواعد، كلها مجتمعة تمثل ممكنات الحد الأدنى لمراكز التحكيم المؤسسي الفاعلة، إن أرادت أن تكون جزءاً من المجتمع الدولي.


ما يلفت الانتباه، أنه برغم أعداد مراكز التحكيم الخليجية، فلم يُبادر أيّ منها لإجراء دراسة منهجية استقصائية ترصد العافية التحكيمية والاحتياجات المتغيرة، وتضع خارطة الطريق للانتقال نحو عالمية التحكيم المؤسسي.


ويقيني، أن المركز السعودي للتحكيم التجاري يملك مقومات إجراء تلك الدراسة بشراكة المراكز الخليجية الطموحة، وبرؤية دولية للرصد والتحليل والتفعيل لمن يبحثون عن مرتبة متقدمة بين مقرات ومراكز التحكيم الدولية؛ فميدان التحكيم لا يعترف إلا بالمبادرين، المستشرفين، ولنا في سنغافورة ولندن خير دليل.