الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قوة الاختيار بين الرتابة والمادة

لو فتحت كتاباً مصوراً لمدينة «آنسي» الفرنسية مثلاً، يضم صوراً لبحيرتها الفاتنة، والجبال المحيطة بها، فستنبهر عندما تشاهد الصور الأولى، وتقف عندها لبعض الوقت تتأمل تفاصيل الجمال فيها، لكن مع تكرار الصور وتشابهها سيخف الانبهار، وتمر على باقي الصفحات سريعاً، لأن الانبهار يرتبط غالباً بالدهشة، وعندما تتلاشى الدهشة يتلاشى الانبهار معها.

الكتاب في المثال السابق يرمز إلى حياتنا، والمناظر الجميلة ترمز إلى وسائل الرفاهية التي تحيط بنا من كل جانب، وحالة الملل تمثل واقع يعيشه عدد ليس بقليل من الأفراد، تمر عليهم الأيام والأشهر والسنون وهم عالقون في دائرة الرتابة، لا يجدون وسيلة تخلصهم منها، وتمنح حياتهم معنى يميزها عن حياة الآخرين.

المشكلة من وجهة نظري لا علاقة لها بالماديات من الأساس، فنحن ـ ولله الحمد ـ نعيش في واحدة من أكثر دول العالم رفاهية، وإنما في قبول البعض لنمط حياة لا يناسبه، وعدم سعيه لتشكيل نمط خاص به، يُشبع من خلاله حاجاته التي قد لا تتشابه بالضرورة مع حاجات الآخرين.


أثناء زيارتي الأخيرة لمدينة آنسي طلبت من فتاة تفترش الأرض مع لوحاتها أن ترسمني، وعندما انتهت أعطيتها مبلغاً أكبر من الذي اتَّفقنا عليه، وقبل أن أغادر، استوقفتني وأعطتني الباقي، وعندما طلبت منها الاحتفاظ به، قالت:


ــ «أنا أمارس هذه الهواية لأمتّع نفسي، ولست بحاجة إلى المزيد من المال».

هذه الفتاة اختارت حياة تناسبها، وتشعر بالانسجام معها، لكن هل كل الناس يمتلكون هذه القوة في الاختيار؟.. لا أعتقد ذلك، ومن هنا تبدأ المعاناة !