السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

عيادة الأمراض المؤسسية والصراعات الوظيفية

سؤال قديم جديد، وحديث هامس مسكوت عنه: كم هي الكلفة الخفية للفيروسات والأمراض المؤسسية المستعصية، والنتائج الكارثية للحروب الوظيفية التي تعيشها بعض المؤسسات، حتى يحدث الخلل بالانشغال عن رسالتها وأهدافها بالتوجُّه صوبَ إدارة سلسلة من المعارك الخفية أو العلنية، تقرع طبولها إدارات وأفراد، يُفترض أن المنُوط بهم إسهامات فاعلة في الناتج الإجمالي السنوي لهذه الإدارة أو تلك المؤسسة؟

وتدرك الفارق حين يغادر أو ينتقل من يشغلون تلك الوظائف إلى مواقع أخرى؛ آنذاك تهدأ الحروب، وينقشع غبار المعارك، ويستعيد الموظفون السلام المؤسسي، ويتنفسون الصعداء، ويعود للإدارة أو المؤسسة رونقها وهُويتها الحقيقية التي فقدتها في مضمار العَدْو نحو إشعال جذوة الأزمات، وتمضي في مسيرتها واضعةً طي النسيان ما تكبدته من خسائر غير معلنة نتيجة الصراعات الوظيفية والمعارك المؤسسية.

والسؤال: كيف يمكن تجنب تلك الخلافات، والوقاية من هذه الأمراض، وقياس مؤشر العافية المؤسسية بشكل دوري لأي من الهيئات والمؤسسات الحكومية أو الخاصة؟، بمعنى آخر: هل ثَمَّةَ وسيلة لتشخيص وعلاج أمراض التحاسد الوظيفي، والتباغض المؤسسي، وتعمّد إخفاء المعلومات بين الإدارات والموظفين، وتصيّد الأخطاء، والبحث عن السلبيات ووضعها تحت المجهر، والتقليل من قيمة الإنجازات، والإجهاض المفرط للإبداع، والإدارة وفق مفاهيم الشللية، والتقاء الفرقاء تحت مظلة المصالح التي تتصالح، والسطو على أفكار وإنجازات الغير، وتصدّر مشاهد التكريم، ليُحمَدوا بما لم يفعلوا، وغيرها من سلسلة أمراض مؤسسية هدمية تُنبئُ بقتامة المشهد؟


ألا يستحق الأمر أن تقوم كل مؤسسة تسعى إلى استعادة عافيتها واستدامة نجاحاتها باستحداث «عيادة الأمراض المؤسسية»، وتضمين هيكلها التنظيمي «إدارة الوقاية من الصراعات الوظيفية»، ليكونا جناحي المؤسسة في التعامل المبكر مع ما تَرصده من أمراض وفيروسات، وتقديم تقارير دورية لمؤشر «العافية المؤسسية»، ليكون العاملون على معرفة بأن معايير الأداء الوظيفي ليست فحسب في الحضور وإنجاز الأعمال والرد على المراسلات، ولكن، وهذا الأهم، في «خلو الإدارة والمدير والموظفين» من الأمراض المؤسسية، والصراعات الوظيفية التي قد تتجاوز خسائرها الخفية الملايين دون أن ندري.


وأخيراً، سؤال إلى المؤسسات التي تتبنى منظومة قيم عمادها الشفافية، والعمل بروح الفريق، وتقدير الإنجازات، وتعزيز الإبداع: هل حقاً قيمنا المؤسسية واقعية وحاضرة في سلوك وتعامل المسؤولين والموظفين، أم أنها ورقية لأغراض استكمال لوحة الهوية المؤسسية دون الممارسات الفعلية.