الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

خرِّيجٌ جديد.. وآخر قديم

توقفت متأملة مقطع فيديو استلمته على الخاص عبر برنامج إنستغرام، قد يكون المقطع قديماً وربما شاهده الكثيرون قبلي، لكن، بالتأكيد كان مقطعاً مؤثراً جداً.

المقطع يصور أحد الشباب في دولة عربية، يجوب الشارع سعيداً بتخرجه في الجامعة، ومصور المقطع شاب آخر يجلس على ناصية الطريق ويبيع (بسطة) خضراوات، ويسمع المشاهد صوت الشاب البائع وهو يخاطب الشاب الآخر (الخريج الجديد) ويوجه له رسالة صادمة لأي شاب يعيش فرحة التخرج.

كان أهل الشاب المتخرج وأصدقاؤه يحتفون به في موكب سيارات يظهر هو فيه واقفاً من إحداها ويحمل في يده باقة ورد وهو مرتدٍ بدلة التخرج، والشاب الذي على ناصية الرصيف يناديه بصوت عالٍ: «معلم» وهو أسلوب مناداة توقيري في بعض اللهجات العربية.


ثم يستطرد قائلاً: قبل ست سنوات كنت مثلك، والآن أنظر إلى وضعي، ويحرك كاميرا الهاتف نحو (البسطة) التي يبيع عليها الخضراوات، ثم يكمل: سأنتظرك لتجلس بجانبي، إنها أكثر رسالة محبطة قد يتلقاها خريج جامعي في يوم تخرجه، إنها بمثابة نذير شؤم وسوء طالع.


المصداقية في هذا المقطع المؤثر تتمثل في التحديات التي تواجه الشباب حديثي التخرج في سوق العمل، فواحدة من المشكلات التنموية التي تعانيها دولنا العربية هي توجه النسبة الأكبر من خريجي الثانويات وإكمال الدراسة في التعليم العالي، وعزوفهم عن الوظائف المهنية أياً كانت مستوياتهم الأكاديمية أو مواهبهم، ما يجعل الهرم الوظيفي مقلوباً في توسعه في الوظائف الأكاديمية، التي بدأت نسب البطالة تزداد فيها، فأغلب الوظائف المناسبة لخريجي جامعاتنا هي الوظائف التقليدية (التعليم، الطب، الهندسة، التكنولوجيا،...) التي صارت متشبعة في كثير من دولنا، كما أن خريجي التخصصات النوعية من الجامعات الأوروبية والأمريكية لا يجدون أمامهم من وظائف إلا الوظائف التقليدية ذاتها التي تتراكم فيها نسب البطالة.

سوق العمل في دولنا لم يتطور لأن تطوره مرهون بتطور الخطط التنموية، وبتجديد الدولة لاستراتيجيتها في استثمار ثرواتها ومواردها، وخصوصاً الموارد البشرية الشابة.

والوظائف المعروضة في سوق العمل لا تزال تقليدية، والإرشاد الأكاديمي للطلبة لم ينجح بما يكفي لتوعية الطلبة من مغبة الإقبال على التخصصات التي تعاني تشبعاً في السوق، وربما أصبح خريجو الثانويات، بفعل الانفتاح الإعلامي وجرأة وسائل التواصل الاجتماعي يَعون بعض هذه الحقائق، ولكن يبقى السؤال: ماذا يدرس الطلبة غير التخصصات الموجودة في جامعاتنا؟ وما الوظائف التي عليهم أن يعملوا فيها غير التي يعرضها عليهم سوق العمل ذاته؟