السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

النّمُوذج القُدْوة

لكل منّا قدوته في الحياة أثرّت فيه بصورة ما، إمّا فكريّاً، أو معنويّاً، أو إنسانياً، إمّا أن تكون شخصية قد عاصرها، أو سمع بها، أو قرأ عنها.

والقدوة الإيجابية، لا يمكن أن تكون مؤثرة في الآخر ما لم تمتلك مقومات الشخصية القيادية، ووهجاً فكريّاً ناصعاً ينتزع احترام الآخرين لها.

في المرحلة الإعدادية سادت حالة فريدة في مدرستي، بتقليد بعض الطالبات لبعض معلماتهن، وحينما أحاول تفنيدها، أجدها حدثت لقوة تأثير المعلمات في طالباتهن لكونهن مربيات أجيال في المقام الأول، وقائدات مجتمع معطاءات، مارسن مهنة التعليم بشغف كبير، وكانت المسافة الروحية، والنفسية بين الطالبة ومعلمتها تكاد أن تكون شبه معدومة، دون أن تفقد العلاقة بينهما روح الاحترام، والتقدير.

هذه القوة الجاذبة دفعت بالطالبات للاجتهاد في المذاكرة، والحرص على المشاركة في جل الأنشطة المدرسية التي تعد برامجها تلك المعلمات، الودودات، القياديات.

انقياد الطالبات بحب لمعلماتهن ظهر في مدى انضباطهن المدرسي، وتحصيلهن الدراسي، ومن شدة إعجاب بعض الطالبات بمعلماتهن الفضليات، تجد من تقلدها في طريقة وضع الحجاب حيناً، والتمثل بهن فكرياً والتأسّي بطريقة تعاملهن حيناً آخر، كما تجلت قوة تأثيرهن في إقبال الطالبات على المشاركة والإعداد للأنشطة المدرسية الكبيرة على اختلاف مناسباتها، وبذلك ظهرت مواهب الطالبات، الكامنة، باكراً لمعلماتهن، ما حفزّهن للتفكير بجدية في تحديد تخصصاتهن الدراسية المستقبلية بإشرافهن.

لا أعتقد بأن هؤلاء الطالبات قد نسين معلماتهن اللاتي أثرّن فيهن، وأثرين حياتهن في تلك المرحلة من حياتهن، فالقدوة لا يموت وهجها وإن توارت، قسراً، بعيداً، بفعل الزمن، بقدر عطائها، وعمق مشروعها في الحياة.

اليوم، نجد من يسوّقون لنا «قدوات» وفق مقاييس استهلاكية، تمّ «شرعنتها» اجتماعياً، وإعلامياً، ومنحها رخصة القيادة الاجتماعية من بوابة «عدد المتابعين» بغض النظر عما تقدمه للمجتمع، ليتم تكريسها قدوة اجتماعية مؤثرة ذات أهداف نبيلة!.

عينّات هشة لا تمتلك روح التأثير، أو التغيير، أو أن تكون، يوماً، جزءاً من مشروع فكري، أو ثقافي، أو توعوي، أو اجتماعي، أو إنساني خالص.. فكيف نحمّلها مهمة توجيه رسائل إيجابية للمجتمع، وهي بكل تجرّد عيّنات تجارية، استهلاكية، خاوية، مُتربِّحة، لا يمكن التعويل عليها كثيراً؟!.