الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

قيمة الأشياء بين الجمال والقبح

وعي الإنسان وإدراكه للأشياء هو ما يمنح الأشياء قيمتها، والأمر لا يتعلق بالشخوص والقيم والأفكار فقط، ولكن حتى بالأمور المادية الملموسة مثل الذهب والألماس، التي تحولت إلى معادن قيّمة ونفيسة مادياً قبل أن يصبح لبريقها تأثير نفسي وثقافي واجتماعي في عالمنا اليوم.

وقد بسطت التحولات البشرية المتسارعة التي نعيشها في عصرنا الراهن من تعقيدات هذه المعادلة من خلال ما بات يعرف بتعدين العملات الإلكترونية، وهذه العملية لمن لا يعرف كيف يجني البعض عملات مثل «البتكوين» هي مهمة شاقة للغاية ومكلفة وتستهلك الجهد والمال والطاقة الكهربائية للحصول على عملات إلكترونية افتراضية ليست محسوسة مثل الذهب والألماس ولا توجد سوى في ذاكرة الإنترنت.

وكما هي القيمة المادية نسبية لبعض الأشياء النفسية في حياتنا، كونها تكتسب قيمتها من تقدير الناس لها، فهي كذلك نتاج عمليات كيمائية وتفاعلات قد تجعل منها كما يقول العلماء بوفرة الجبال ورمال الصحراء على كواكب أخرى.


ومن يتتبع حكاية «النفائس» في الوعي البشري يكتشف أن الملح والبهارات وقبل ذلك البخور واللبان كانت كنوزاً تتصارع الدول للاستحواذ عليها واحتكارها، قبل أن تفقد قيمتها المادية في وقت لاحق مع ابتكار طرق عديدة لإنتاجها بكيمات تفوق احتياجات الناس ألغت عامل «الندرة» المرتبط دوماً بالقيمة في مفاهيمنا المادية.


وقد أدركت شركات عالمية منذ وقت مبكر أهمية التحكم بعامل «الندرة» من خلال استراتيجية قائمة على «الاحتكار» والسيطرة على خطوط الإنتاج والإمداد لمنتجات كادت تفقد قيمتها، ومن ذلك «الألماس» الذي يخفي بريقه حقيقة علمية مفادها أنه حجر ثماني الأوجه يتكون من عنصر الكربون فقط وهو أقرب الأشياء للفحم الحجري، كما أصبح من الممكن تصنيعه في المعمل بنفس المواصفات وربما بنقاء أكبر.

وإضافة إلى كون قيمة الماس كحجر نفيس مرتبطة بمظاهر التباهي الاجتماعي، التي تقوم على فرادة ما يملك الشخص دون سواه في ملأ تخيلي للفراغ النفسي، تقف خلف القيمة المادية والصورة النمطية لهذا الحجر الكربوني حملة إعلامية ودعائية مكثفة قامت بها شركة «دي بيرس» العريقة والتي ظلت تحتكر تجارة هذا المعدن والتحكم بخطوط إمداداته لعقود.

وقد حولت آلة الدعاية الإعلامية المكثفة التي مولتها شركات الألماس هذا المعدن إلى رديف أو قرين للحب، فبقدر ما تحب بقدر ما تهدي من الألماس لحبيبتك والأمر يشبه إلى حد ما مفهوم الجمال لدى البشر، وكيف يتباين من ثقافة لأخرى، فما يراه أحد الشعوب معياراً للجمال قد يكون لدى شعب آخر نموذجاً صارخاً للقبح.