الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«فتنة» المنسف الأردني

هل سمعت من قبل عن نوع معين من الطعام أو أكلة يتحمس لها مريدوها وينتمون لها كالوطن والعلم والنشيد؟

ثم إلى أي مدى يمكن أن يكون الطعام سفيراً أو ممثلاً دبلوماسياً لبلاده؟!

فقط وحصرياً لا تجد ذلك إلا في ما يُدعى ضمن قائمة الطعام العربي: المنسف الأردني.

المطبخ العربي من المحيط للخليج متنوع وشامل، ولديه من الأصناف والأشكال ما لا تسعه الذاكرة، والرائع أن معظمها إن لم يكن كلها تمتلك قواسم مشتركة فيما بينها، فمثلاً جميعهم لديه في الـ Main course أرز ولحم، ولكن الطريقة وأسلوب التقديم والمسمى يختلف من بلد لآخر.

وبعيداً عن فكرة الأفضلية في الطعم والرائحة والمكونات، نجد أن المنسف الأردني أكلة ذات بصمة خاصة، تدعوك للالتفات نحوها، والتأمل في الإجماع الرهيب على لذتها وقدرتها على الإشباع.

يبدأ الأمر حين تلتقي شخصاً أردنياً أو فلسطينياً وتجده ينظم الشعر في جمال وروعة وعبقرية هذا الطبق، ثم يعتريك شيء من الغيظ والحنق، حول لماذا يحبون هذه الأكلة ويتحدثون عنها بهذه العصبية كأنها فتنة لا تُقاوم.

وأخيراً تجد نفسك مضطراً لخوض التجربة وتناولها من منابعها ومن يد أحد المتخصصين في طهوها، وهذا ما حدث لي بشكل شخصي، حين دعاني صديق فلسطيني لتناوله غضاً كما أنزل، وعندها حدثت المفاجأة وشعرت بما يلي:

أولاً، معظم الأكلات تزهد فيها بعد تناولها بأيام إلا المنسف، لو عرضوا عليك أن تتناول بعضاً منه في العشاء فضلاً عن الغداء فإنك لن تتردد لحظة.

ثانياً، لو حدثتك نفسك أو وسوس لك شيطانك أن تتناول المنسف مع زملائك في العمل فتراجع فوراً عن تلك الفكرة، لأنه من فرط لذته محرض على الاسترخاء والنوم العميق، بفضل مكوناته من لبن وجميد وبصل أخضر، بالإضافة لثقل ثنائية (الأرز مع اللحم) على كل الشرايين التاجية والرفيعة الموصلة للمخ، ما يجعل وجود فراش مريح للنوم أحد إكسسوارات ولوازم هذه الأكلة.

ثالثاً، إن ظننت أن طبقاً واحداً فقط يكفي لإشباعك فأنت واهم، وأرجوك لا تحاول تطبيق قواعد الريجيم والرشاقة على هذا النوع من الأكلات الخطرة، وتسامح مع نفسك واقبل فكرة أن ملء طبقين وربما 3 لا ينال من طموحاتك في جسم رشيق، وتعامل معه بقانون (أحيني اليوم وأمتني غداً)، أو كما قال امرؤ القيس: «اليوم خمر وغداً أمر».

رابعاً، لا تتنازل عن إكسسوارات الأكلة مهما كان الثمن، فقيمة المنسف الحقيقية في مكملاته المتمثلة في المكسرات المحمصة والجميد والبصل الأخضر والفجل.

خامساً، للمنسف الأردني طلة مهيبة، ودخلة ملكية مربكة تملأ العين قبل المعدة، فهو صنف لا يوضع في أطباق متوسطة الحجم، وإنما يحتاج مساحة دائرية كبيرة على أي سفرة، فيوضع كشمسٍ والأطباق حولها كواكبُ.