السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

زواج في طور «الشرنقة»

تنبأ الدكتور علي الوردي، عالم الاجتماع العراقي المعروف، في مقال نشره نهاية ثمانينات القرن الماضي، بنهاية عصر الزواج التقليدي، الذي يأتي عن طريق خطبة الأم، ومن بعده نهاية عصر الزواج بعد قصة الحب.

وتوقع أن الزواج الذي سيكون هو السائد في المستقبل القريب أو البعيد، هو الزواج الذي يقوم على أساس «الكمبيوتر»، وحيث عاش علي الوردي حتى وفاته منتصف التسعينات، لم يكن الإنترنت معروفاً آنذاك في العراق.

وعندما قال (زواج الكمبيوتر) فقد كان يقصد الزواج الذي ينظمه هذا الجهاز المعقد، إذ بإمكانه أن يحدد لك مواصفات شريك حياتك بدقة، أو بشيء أقرب منها.

لو اتيح لهذا المفكر العظيم أن يعيش عشر سنوات أخرى، لأدرك بدايات ثورة التواصل الاجتماعي، التي تختلط فيها كل أنواع الزواجات: خطبة الأم، وقصة الحب، وزواج الكمبيوتر، فحينما يبدأ الشريكان في التقارب، بسبب المشتركات الحياتية والثقافية التي تظهر على الصفحات الشخصية في مواقع التواصل، وربما باقتراح من الفيسبوك نفسه مثلاً! ثم تبدأ بعدها قصة الحب، لتتدخل الأم لإطلاق صافرة البداية الرسمية للمباراة.

خطبة الأم التقليدية أصبحت ـ أو هي في طريقها لتكون شيئاً من الماضي - لأن الجيل الحديث، الذي صار جزءاً من عالم اليوم، لم يعد يقدر أن يرى شريكة حياته بعيون أمه ومقاييسها الجمالية فقط.

وإن قصة الحب بدون حاضنة عقلانية، توفر أسباب نمو هذا الحب وتطوره وحمايته، ليست كافية أيضاً، والعلاقة في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تبدأ بضغط زر الإعجاب، تحتاج بدورها إلى أن تتطور إلى قصة، وما يدعو للغرابة أن ذلك يحتاج إلى لمسة الأم النهائية، وتوقيعها الموقر على آخر ورقة في «المعاملة».

كعادته، فإن علي الوردي سابق لزمانه، ومتقدم في تفكيره حتى على الأجيال اللاحقة.

قال في مقال آخر من كتاب (نقاط على الحروف) الذي حققه الأستاذ سلام الشماع: «إن طبيعة التغيير الاجتماعي أنه لا يحدث على وتيرة واحدة في جميع نواحي المجتمع، ففي بعضها يكون سريعاً كالملابس والمساكن والمهن والثقافة، ولكنه يكون بطيئاً في النواحي الأخرى؛ كالعادات والتقاليد والقيم».

لذلك فإن قصة الحب التي تنشأ في السوشيال ميديا من خلال الإعجاب بالشكل، والملبس، والمهنة، والثقافة، تحتاج في مجتمعاتنا إلى الرجوع للعادات والتقاليد والقيم لتكتمل دورة حياتها.

فهي لا تستطيع أن تطير بأجنحة التقدم التكنولوجي وحده، ولا يمكنها أن تسبح في محيط العادات والتقاليد بشكل منفصل أيضاً.

وهذه معادلة تحتاج لوحدها إلى علم اجتماع جديد يدرس ما يمكن تسميته «بأطوار الزواج الثلاثة».