الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

وهم المُعانات يُحاصِر المثقّف!

تسيطر على فريق من المثقّفين والكتاب العرب فكرة، أن الكاتب والمبدع المتميز، لايكون كذلك، إلا اذا عاش اضطهادًا ما، خاصّة من الجانب السياسي، كأن يكون مر بتجربة اعتقال أو صراع انتهى بمطاردته أمنيًا وقانونيًا، وإذا لم يمر بتجربة مشابهة استهانو بإبداعاته، ولامانع لدى البعض اختلاق معاناة ما أو تخيلها.

وربما جاء ذلك من بعض وقائع في التاريخ العربي لمفكرين وشعراء مروا بظروف قاسية ـ مثل أبو العلاء المعري، الذي عانى بسبب كف بصره وكذلك أبو حيان التوحيدي الذي اضطهد وتم التضييق عليه (ماديا) بسبب مواقفه الفكرية والسياسية، وفي تاريخنا المعاصر لم يتوقف كثيرون في مسيرة رفاعة الطهطاوي إلا عندما نفاه الوالي عباس، حفيد محمد علي، إلي السودان وتناسوا تمامًا أعماله الفكرية، خاصّة كتابيه مناهج الألباب المصرية في الآداب العصرية والمرشد الأمين للبنات والبنين.

وأحمد شوقي تربي في كنف الخديوي إسماعيل وعمل في قصر الخديوي عباس حلمي، وقد جلب عليه ذلك أحقاداً كثيرة من شعراء عصره ورفض بعض الشباب له، مثل العقاد ومدرسة الديوان، التي تأسست باعتراف العقاد نكاية في شوقي، في المقابل وجد حافظ إبراهيم احتفاء كبيرًا، بزعم أنه بائس وفقير، والحق أنه لم يكن فقيراً ولا بائساً، وكان راتبه من دار الكتب المصرية في عشرينات القرن الماضي (ستون جنيهًا)، وهومبلغ ضخم جدا وقتها.


كما أن أديب نوبل هذا العام "عبد العزيز قرنح "، أسرفت بعض الكتابات العربية في القول بأنه خرج من تنزانيا مضطهداً وهارباً لينجو بحياته إلى بريطانيا، وحين عدت إلى حواراته، فضلاً عما كُتِب عنه هناك، لم أجد شيئًا من ذلك، فقد تخرّج عام 1966 وعُيِّن على الفور مدرسًا وكان متوائما مع الوضع السياسي هناك، بل كان يشيد به، ولذا سُمِح له بالسفر إلى الخارج وكانت أمامه أكثر من جهة، لكنه فضّل بريطانيا وتم منحه تأشيرة سياحية لدخول لندن والبقاء بها لشهور، وتدبّر أموره خلالها، وفعلا بدأ حياته هناك، واشتغل كعامل نظافة بأحد المستشفيات، ثم واصل تعليمه الجامعي وانخرط في السلك الأكاديمي، وتُذكِرنا تجربته ببعض الشباب العرب الذين يتركون وظائفهم في بلادهم، قد تكون وظائف مرموقة أحيانا، ويبيعون مايملكون كي يسافرون إلى إحدى الدول الأوروبية، ومنهم من يحقق نجاحًا وتميزًا.


لايتحرك الكاتب إلا وفق أمر يتملكه وهم يشغله، وهموم الحياة والعالم كثيرة وشديدة التعقيد، وليس بالضرورة أن يكون اضطهاد بشكل مباشر، أو اصطدم بسلطة ما، أو عانى من فقر مدقع، وإذا لم يقع ذلك نتخيل نحن أنه وقع، وربما يتخيل أحد الكتاب ذلك.