الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مارادونا مات

«مارادونا مات»، ألقاها صديقي على مسامعي في مثل هذا اليوم من العام الماضي، بكيت، فبكى بعض من أحاطوني، وتوارى البعض الآخر دهشة، وقد بدت على ملامحهم علامات سؤال له ما يبرره، لماذا يبكي وكأن مارادونا «من بقية أهله»؟

«مارادونا مات» كلمتان لهما من التأثير والصدى الذي يجعلك تستدعي كلمات قصيدة «جيفارا مات»، فقد كان دييغو ملهماً في الكرة وما هو أكبر من الكرة، كاريزمته تجعل كل من يحيطون به أكثر وهجاً، اللاعبون يبدعون، والمشجع فيلسوف، والصحفي يصبح أديباً، وفي مونديال 1986 أحرز هدفه الشهير باليد في مرمى الإنجليز، وبعد أن تعرض لضغوط إعلامية لكي يعترف بعدم شرعية الهدف، أطلق كلمته التاريخية: «إنها يد الله»، في إشارة إلى أن القدر أرادها هدفاً، وهو بهذه الكلمات بدا وكأنه قال كل شيء دون أن يقول شيئاً، ومنحنا العنوان الأشهر في تاريخ الصحافة الرياضية.

وحينما رحل في مثل هذا اليوم من العام الماضي، كان العنوان التلقائي لوصف الحدث، هو «ورحلت كرة القدم»، وقبلها ببضع سنوات، حينما غيب الموت والدته، عنونت صحيفة «كلارين» الأرجنتينية «ورحلت أم كرة القدم»، لقد كان ولا يزال ملهماً لعشرات الكتاب الذين تناولوا سيرته الذاتية، وللمخرجين الذين نقلوه لكل الشاشات، وجميع المنصات وثائقياً وسينمائياً.


هو الأفضل في تاريخ ساحرة الشعوب، ولم يكن الأمر يستحق جدلاً وتشابكاً صنعته منصات السوشيال ميديا تسولاً للرتويت واللايك والفولوز، كل الاحترام لتاريخ بيليه، وموهبة ميسي، وقتالية رونالدو، ومهارة رونالدينيو، ولكن مارادونا يظل عصياً على المقارنات، هل تريد دليلاً؟ امنح نفسك فرصة لتقييم الأيقونات بعد الاعتزال، وعلى الأرجح لن تجد سوى دييغو مستقراً في ذاكرة القلوب.


فهل حقاً مارادونا هو كرة القدم؟ لحظة من فضلك، هل تشعر بأن هذا السؤال يحمل رائحة المبالغة؟ قبل أن تفكر سأقول لك «نعم هو كرة القدم»، وقبل أن تستسلم للدهشة، سأقول لك «مارادونا أكبر من كرة القدم» فهو المناضل السياسي الذي لعب دور الملهم لشعوب أمريكا اللاتينية، لم يحمل سلاحاً، ولم يكن عضواً بارزاً في حزب سياسي، ولكنه كان من بين الأكثر تأثيراً في حقبة بعينها بكلماته، واقترابه من زعامات القارة اللاتينية، وكان نصيراً للفقراء، فقد رحل مارادونا وفي رصيده ما لا يتجاوز 100 ألف دولار، ليعلق محاميه على ذلك بقوله «لقد كان كريماً إلى حد أنه استسلم لاستغلال كل من يحيطون به»، ولم يكن يريد سوى الحب.