الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

عندما تتوقف الموسيقى

شهدت دول الخليج قاطبة في العقود الخمسة الماضية نهضة تنموية قلما تتكرر في التاريخ، فتلك البلدات الصغيرة الحالمة التي اقتات أهلها على الصيد والغوص وشيءٍ من التجارة أصبحت حواضر عالمية يشار لها بالبنان، أولئك الذين لم تتوافر لهم مياه جارية أو كهرباء مستدامة أو صرف صحي منذ نصف قرن أصبحوا يتحدثون عن الفضاء وأرسلوا مسبار أمل يستكشف مناخ كوكب المريخ!

مما لا شك فيه أن اكتشاف النفط لعب دوراً رئيسياً في تلك النهضة ووفر مورداً مالياً مهماً أحسنت الحكومات بدرجات متفاوتة استغلاله لانتشال مجتمعاتها من الحالة المتأخرة التي كانت عليها، واستُثمِر الكثير في البنى التحتية لدول الخليج حتى غدت مقياساً عالمياً في خدمات أساسية كالطرق والطاقة والمطارات والطيران والاتصالات والموانئ... إلخ، وكان هناك الاستثمار الأهم في الإنسان وتعليمه وصحته ومسكنه.

لكن لكل شيء نهاية، وما من مورد طبيعي لا ينضب، والآن أصبح الكثيرون يتحدون عن الطاقة المتجددة، التي في تقديري لن تشكل خطراً كبيراً على مستقبل النفط كسلعة أساسية، لكن الخطر الذي يجب أن ننتبه إليه هو أين سنكون حين نفاد النفط؟!


الحكومات لم تغفل أهمية هذا التحدي وانتقلت من مرحلة البناء إلى نهج التخطيط للمستقبل، مستقبل ما بعد النفط، يرمي البعض إلى أن دبي التي أطلقت أول رؤية استراتيجية شاملة في بداية الألفية ربما تكون الأكثر استعداداً لذلك، إذ إن النفط لا يشكل سوى 4.1% من إجمالي إيراداتها بحسب ميزانية 2021 (أو 2.13 مليار درهم من إيرادات يبلغ مجموعها 52.31 مليار درهم).


لا يمكننا أن نغفل بعد نظر حكومتي أبوظبي والكويت على سبيل المثال حينما أنشأتا صندوقي ثروة سياديين في السبعينيات ليصبحا اليوم الثالث والرابع أكبر عالمياً، بقيمة مقدرة لا تقل عن 2.4 تريليون درهم لكل منهما، إن قدرنا الدخل السنوي لكل صندوق بشكل متحفظ عند مستوى 5% فكل منهما سيدر 120 مليار درهم سنوياً، بمعنى آخر عندما تنخفض أسعار النفط بشكل حاد فدخل كل حكومة من صندوقها قد يفوق دخل النفط.

الموارد الطبيعية يمكن لها أن تكون نقمة كما كان أثر الغاز على هولندا مما تمخض عنه ما يعرف بـ«المرض الهولندي».. أو أن تكون نعمة كما حدث في النرويج التي تملك حالياً أكبر صندوق ثروة سيادي في العالم، ندرك ذلك جيداً ونخطط له بحصافة، وحسن تنفيذنا سيحدد ما إن كنا سنجد كرسياً عندما تتوقف الموسيقى أم لا، أنا متفائل.