كثيرة هي الأعمال الفنية التي تدور حول لعبة قاتلة ينظمها الأثرياء الذين يشعرون بالملل ويشارك فيها الفقراء الذين يبحثون عن المال.
من فيلم «إنهم يقتلون الجياد.. أليس كذلك؟»، إخراج سيدني بولاك، 1969، المقتبس عن مسرحية هوراس ماكوي، المكتوبة في 1935، وصولاً إلى المسلسل الكوري "لعبة الحبار" Squid Game، إخراج وكتابة وانج دونج- ويك، وإنتاج «نتفليكس»، الذي بدأ بثه على المنصة حديثاً، مروراً بأعمال مثل "مليونير مساكن الصفيح "Slumdog Millionaire إخراج داني بويل، 2008، و"المعركة الملكية "Royal Battle، وسلسلة أفلام Hunger Games وعشرات الأفلام والمسلسلات الأجنبية.
في العامين الماضيين حقق الموسم الأول والثاني من مسلسل «اللعبة» المصري نجاحاً كبيراً، وقبله قدمت السينما المصرية الفكرة في أعمال منها «كابوريا» و«قشر البندق» للمخرج خيري بشارة.
ويصعب أن يحصي المرء الأعمال الأجنبية والعربية التي عالجت الفكرة بأشكال مختلفة.
عادة تدور حبكة هذه الأعمال حول لعبة، أو سلسلة من الألعاب الخطيرة، تبدأ بالهزر ثم تتحول إلى مأساة كاشفة عن الوضع الإنساني العام، حيث يتحول البشر إلى مقامرين ومجرمين من أجل الفوز بالجائزة الكبرى، وعادة ما تكون اللعبة في هذه الأعمال نوعاً من الاستعارة أو المعادل الموضوعي للحياة نفسها، أو إغراءات الحياة المتمثلة في المال والسلطة، أو النظام الرأسمالي، الذي يجبر الناس على التناحر والتسابق حتى الموت من أجل العثور على مكان تحت الشمس.
وأحياناً يركز الفيلم على الجانب الاجتماعي للدراما، بينما يركز أحياناً على الجانب المرعب والدموي للتنافس، وأحياناً يخلو من الاثنين ويركز على الكوميديا للضحك فقط كما في مسلسل «اللعبة» المصري.
في «لعبة الحبار» يدمج وانج دونج- ويك بين الجانبين الاجتماعي والدموي، وهو دمج طالما ميز الأعمال الكورية السينمائية والتلفزيونية، وعلى سبيل المثال فقط يمكن ذكر فيلم «طفيلي» ومسلسل «سنوبيرسر» للمخرج والمؤلف بونج جو- هو.
يدور «لعبة الحبار» حول عدة شخصيات رئيسية وبضع مئات من الشخصيات الثانوية (456 بالتحديد)، يعانون من تراكم الديون لأسباب مختلفة، يقبلون المشاركة في مسابقة غامضة من 6 مراحل يكتشفون عقب انتهاء المرحلة الأولى بأن من يخسر يتم قتله على الفور.
كما يكتشفون أن الفائز النهائي سيحصل على مبلغ فلكي يصل إلى 45 مليار يوان (ما يقرب من 40 مليون دولار أمريكي)، ورغم رعبهم ورفضهم للاستمرار في اللعب، إلا أن معظمهم يعود لاستكمالها بعد أيام قليلة، عندما يكتشفون أن خطر وعنف الواقع في الخارج لا يختلف كثيراً عن اللعبة.
الشخصيات الرئيسية التي يركز عليها المسلسل هي سيونج جي- هون (يؤدي دوره لي جونج- جي)، رجل متوسط العمر، مطلق ولديه ابنة، ويعيش مع أمه المريضة، مدمن مقامرة لديه ديون بالملايين، ومعرض للقتل من قبل العصابة التي أقرضته.
الثاني هو شو سانج- وو (بارك ها- سو) صديق طفولة لسيونج، حاد الذكاء، متعلم، ولكنه يقع فريسة طموحه بعد أن يختلس مبالغ كبيرة من عملاء الشركة التي يعمل فيها ثم يخسرها في مشاريع فاشلة.
الشخصية الثالثة هي النشالة الجميلة كانج سي- بيوك (هو يوين- يونج)، التي تسرق سيونج، ثم يتبين أنها مهاجرة فقيرة من كوريا الشمالية، كانت تعتقد أن كوريا الجنوبية جنة، ولكنها وقعت في مستنقع الديون والجريمة، وتحاول إنقاذ أخيها الأصغر المودع في إحدى المؤسسات الاجتماعية وإعادته إلى بلده. الشخصية الرابعة هي العجوز أو يي نام (أو يونج- سو)، الذي يعاني من ورم في المخ ومن الوحدة الشديدة ويشترك في المسابقة بحثاً عن بعض الإثارة والونس.
الخامس هو الباكستاني المهاجر أبدول علي (أنوبام تريباثي) الذي جاء مع أسرته إلى كوريا للبحث عن حياة أفضل، ولكن لا يجدها ويضطر لدخول المسابقة لإنقاذ عائلته.
بجانب هؤلاء يوجد عدد آخر من الشخصيات، أبرزها بلطجي مجرم مخادع، وامرأة صاحبة سوابق، وفتاة صغيرة تعاني من الوحدة والاكتئاب.
يتكون المسلسل من 9 حلقات تحمل كل منها عنواناً، وتتكون المسابقة من 6 ألعاب مختلفة يتبين أن جميعها ألعاب أطفال شعبية شهيرة تم تعديلها لتصبح أكثر عنفاً ودموية.
وبمرور الوقت تتكشف خطوط فرعية ومفاجآت درامية، ولكن الأهم هو قدرة العمل على تشريح النفس البشرية في أسوأ أحوالها (عندما يتعلق الأمر بالحرب من أجل المال وحياة المرء نفسها)، ورغم النغمة المتشائمة التي تسود المسلسل، إلا أن اللحظات الإنسانية والنبيلة لا تغيب تماماً، ولكنها تولد في ذروة الحرب والموت، مخلفة أثراً قوياً يخفف من قتامة وكآبة الأحداث، ويبث بعض الأمل في المشاهد.
"لعبة الحبار" يحقق للمشاهد متعتين نادرتين: تشويقاً وإثارة ولغة فنية خلابة، وأيضاً مضموناً جاداً يخلب العقل ويقلبه رأساً على عقب، ويجبر المشاهد على إعادة النظر في حياته!