السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

أردوغان.. البلدية وعبء الدولة

أنا من القُرَّاء النّهِمين لكل إنتاج الكاتب التركي الساخر عزيز نيسين، الذي قال في أحد تجلياته العبقرية: «القهوة والديمقراطية، هما الشيئان اللذان لا ينبتان في بلدنا، لكنهما يأتيان من الخارج».

أتذكر عبارة الساخر العظيم نيسين كلما قرأت خبراً يتعلق بسلوك الحكومة الأردوغانية في تركيا، واليوم تذكرته وأنا أقرأ خبراً عن الأزمة السياسية بين حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان والمجالس البلدية المحلية «المنتخبة»، وهي في غالبيتها من الأحزاب المعارضة لحزب أردوغان وسلطته.

انتقد النائب المستقل في البرلمان التركي جيهانكير إسلام، وزير الداخلية سليمان صويلو، الذي أعطى تعليمات بتجميد عمليات التبرع التي بادر بها معارضون في بعض المناطق، حيث قال إسلام للوزير: «الله ينتقم منك!».


انتقاد النائب للوزير الأردوغاني، جاء بعد أن أطلقت بلديات أنقرة وإسطنبول وإزمير، حملات تبرع واسعة، لمساعدة المصابين بفيروس كورونا المستجد وعائلاتهم، وكذا العائلات الفقيرة المتضررة من الإغلاق الحكومي شبه الشامل.


لكن حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمرت وزارة الداخلية بتوقيف عمليات جمع التبرع تلك، وبقرار أعلنه وزير داخلية تركيا، مصرحاً في تبرير قرار حكومته بتصريح أردوغان نفسه الذي قال: «لن نسمح بدولة داخل دولة».

البلديات التي قرَّرت مساعدة الناس، هي بالضبط تمارس وظيفتها، فهي المعنية بشؤون المجتمع المحلي الذي تديره، لكن عقلية «الاستبداد» المسيطرة على حزب أردوغان لا ترى إلا بالسيطرة المركزية، كحالة استحضار تاريخي بائس لدور «الباب العالي» والصدر الأعظم، وربما فرمانات السلطان، والسلطان وحده الذي يقرر مصير البشر وحياتهم.

المفارقة أن بداية حياة أردوغان السياسية، كانت العمل كرئيس لبلدية إسطنبول سنوات عديدة، وللإنصاف فهو كان رئيس بلدية ناجحاً، حسب سيرته المهنية وسيرة المدينة في عهده، لكن من قال: إن الدولة يمكن أن تدار بنفس طريقة إدارة البلديات؟.

من العبث التصور أن تنظيف حارات إسطنبول «وهي مهمة نجح فيها رئيس البلدية أردوغان» تعني النجاح في قيادة دولة مثل تركيا؟ لأن قيادة مجمع إدارات خدمية في مدينة كبيرة مثل إسطنبول ليس عملاً سياسياً محترفاً بالمطلق، لكن أردوغان الحاكم بأمر الله، جاء أنقرة حاملاً معه عقلية إدارة إحياء إسطنبول!.

باعتقادي، أن الرئيس رجب طيب أردوغان، هو وحده الذي نسي طعم القهوة التركية وطقوسها، كما غفل قليلاً عن طقوس الديمقراطية التركية، التي يمكن لها أن تدهشه هو نفسه بنتائجها.