السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

خريف أيلول.. نصيب من الحب والتقدير

خريف أيلول.. نصيب من الحب والتقدير
د. محمد شطاح مدير برنامج الاتصال والإعلام جامعة العين - الإمارات

ذُكر الخريف في العديد من القصائد والأغاني، فقد صدح فنان العرب محمد عبده في أغنية «الخريف»، يقول: «أوراقك الصفراء خريف، والضحكة الصفراء خريف»، وتمثلت عصفورة الشرق فيروز الخريف في قصيدة «ورقو الأصفر»:

ورقو الأصفر شهر أيلول تحت الشبابيك


ذكرني وورقو ذهب مشغول ذكرني فيك


رجع أيلول وأنت بعيد بغيمي حزيني قمرها وحيد

بيصير يبكيني شتي أيلول ويفيقني عليك يا حبيبي

ليالي شتي أيلول بتشبه عينيك......

غنّت فيروز للكل وتغنت بكل الفصول من «حبيتك بالشتي، حبيتك بالصيف» و«حكايات الربيع»، لم تترك الخريف فأتحفته بهذه الرائعة التي كلما استمعت إليها، أسرتني وأخذتني إلى مرفأ الذكريات.

شوارع البلدة مقفرة، موحشة، أوراق وأكياس تعبث بها الريح في كل اتجاه، مجموعات من التلاميذ يتقدمون نحو باب المدرسة بتثاقل، يجرون حقائبهم جراً، وعلى رصيف الشارع بعض من أكياس «الزعرور» و«العنّاب»، وأكوام صغيرة من البطيخ وقد ذبلت قشرته إيذاناً بنهاية الصيف، وقدوم الخريف بلياليه الطويلة، كل شيء في البلدة حزين، فقد عُلّقت كل أنشطة الصيف، وبدأت رحلة عام جديد يتقاسم نصفه فصلان، واحد متقلب الأطوار وآخر غارق في الثلوج والأمطار، قبل أن تعود الابتسامة مع الربيع يتلوها انشراح الصيف وانفتاحه على كل مباهج الدنيا وزخرفها في دورة الحياة الأزلية.

هذا هو فصل الخريف، لا أدري لماذا ارتبط في مخيلتي بموسم الهجرة وليس بالضرورة إلى الشمال كما هو عند الكاتب السوداني الكبير «الطيب صالح»، ربما لبلدتي دور في ذلك لأنها نشأت وقامت على محطة قطار، وعلى مفترق طرق، فقد تعودت العين منذ الطفولة على أناس مسافرين، أما بالقطار أو بالحافلة التي ما زالت إلى اليوم مع ازدياد أعدادها ومواقيتها تمر على البلدة وتسحب من تجده مع حقيبته على قارعة الطريق نحو كبريات المدن، وفي مقدمتها العاصمة الجزائرية، حيث فرص العمل والنجاح. إنه فصل الهجرة بامتياز.

يطلق على الأمطار التي تبدأ في التساقط في الخريف بداية من منتصف شهر أغسطس «غسالة النوادر» وهي أمطار طوفانية غزيرة، يتفاءل بها الفلاحون بموسم زراعي خصب، فكما هو جارٍ في الشقيقة تونس إذا هطلت هذه الأمطار خلال العشرة الأوائل من شهر أغسطس، رغم ما يتبعها من رعود وفيضانات فيقول الواحد لصاحبه: «يعطيك الروى» فيجيبه «يعطيك الخير».

قياساً بباقي الفصول لم ينل الخريف حظه من الشعر والرواية وما كتب منها تغلف بالأحزان واليأس، لم يذكر إلا في عدد قليل من الروايات على غرار السّمان والخريف لنجيب محفوظ و«خريف البطريرك» لغابريال غارسيا ماركيز، وفي الشعر تناوله بدر شاكر السياب «في ليالي الخريف» وفاروق جويدة في قصيدته «عندما ننتظر القطار».

ليس كل الخريف كآبة، إنه في المقابل فصل العودة لمختلف الأنشطة الاجتماعية، فهو في بلدي الجزائر فصل لجني التمور وما يرافقه من مهرجانات واحتفالات، كذلك فصل لجني الزيتون وما يصحبه أيضاً من طقوس ربما بدأت في الاختفاء بسبب الهجرة نحو المدن ودخول الآلة في مجال الجني والشحن والعصر والتسويق، فقد اختفت قوافل العوائل التي تتوجه عن بكرة أبيها نحو حقول الزيتون لجني المحصول والعودة في المساء مع دوابها وعرباتها بكميات من المنتوج، إذ تستمر العملية لأيام وليالٍ لتنتهي بعجنه وعصره بالطريقة التقليدية التي ما زال زيتها إلى اليوم مادة غالية نادرة، تحوز إعجاب وإقبال المستهلكين.

هو أيضاً فصل للصيد البرّي الذي ينطلق عادة في شهر أكتوبر، فتخرج قوافل الصيد، في زي الصيد وتتشكل في مجموعات، تتبعها الكلاب المدّربة، وتتجه منذ الصباح الباكر نحو البوادي والأرياف، ولا تعود إلا مع نهاية المساء، وهي محمّلة بما جاد به اليوم من حجل وسمّان وأرانب.

أخيراً ونحن في قلب أيلول وبداية الخريف أقول: ألا يستحق هذا الفصل نصيباً من الحب والتقدير أسوة بباقي الفصول؟

شاركوا بمقالاتكم المتميزة عبر: [email protected]