الاحد - 18 مايو 2025
الاحد - 18 مايو 2025

أول من قال الشعر العربي

الأصل في بداية الشعر العربي كانت عند البدوي في الصحراء لا الحضري في القرية، فكانت السماء الممتدة أمام ناظريه، والأرض المنبسطة تجاه قدميه، وإبله التي يحدوها، مصدراً لخلق وإيجاد القول المشتمل على الحكمة وضرب المثل، والمتضمن للمعاناة، وتسلية الروح وتمضية الوقت، فكان القول على البيت أو البيتين فقط. أما الموسيقى العروضية داخل كلمات البيت ترجع إلى الفطرة السليقية التي فطر الله العرب أو الإنسان عموماً عليه. فكان العربي القديم ينظم شعره على بحور الشعر وموازينه من دون معرفة بها أو دراية، بل كانت سليقة عربية، فما أن يخرج القائل عن هذه الأوزان حتى تستمجه الآذان وتنفر منه الطباع، وظل الأمر كذلك حتى درسها الخليل بن أحمد الفراهيدي وأعاد وزن الشعر العربي إلى 15 بحراً ووزناً. وقد ظل الشعر العربي في القديم عالقاً على البيت والبيتين حتى جاء المهلهل بن أبي ربيعة والذي يُقال عنه إنه أول من أطال الشعر وقصد القصيد، ومن ثم تبعه الشعراء الآخرون حتى وصل الأمر إلى المعلقات السبع أو العشر، حيث اكتمل الشكل النهائي للقصيدة، فكانت المعلقات جوهر الشعر الجاهلي ولباب الأدب العربي القديم. أما القافية، فقد وحدها الشاعر القديم في أبياته لتكون أسهل للحفظ وأروع عند الإلقاء، وقد وجد اللغة العربية ملاذاً كبيراً يلجأ إليه لكثرة مترادفاتها وتعدد لهجاتها. لم نعرف حتى الآن مصدر الشعر ولا أول من قاله، وقد خفي علينا نحن العرب أكثر الأمم بداياته ومصادره، ولكن الظاهر، والله أعلم، أنه مرتبط بوجود الإنسان، نشأ معه، وأنه حاجة إنسانية مثله مثل الماء والهواء، وقد ذكر أحد المؤرخين: إن أقدم شعر وصل إلينا لا يتجاوز الـ 130 عاماً قبل الهجرة، وإن الشعر الذي صحت روايته يعود إلى أواسط القرن الثاني قبل الهجرة، تنتهي أقدم مطولاته إلى المهلهل بن أبي ربيعة، كما أن معظم الشعر الموجود في حكايات (الزير سالم) و(سيف بن ذي يزن) و( تغريبة بني هلال) ما هو إلا من وضع رواة الربابة في العصر الأموي، والظاهر أن كل هذا الشعر موضوع ومنحول، وضعه رجال النحل وأصحاب السمر والرواية في العصر الأموي، كما نحلوا قصائد كثيرة على ألسنة الشعراء الجاهليين كي يرووها أمام الخلفاء لحصد جوائزهم ونيل رضاهم. استمر النحل والوضع في الأدب العربي حتى أواسط العصر العربي، وكان النقاد الكبار يتصدون لهؤلاء الرواة ويبينون زيف أشعارهم، والمتصفح لكتاب العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي وغيره يجد تبياناً لهذا الزيف، وفي العصر الحديث ومع تأثر الأدب العربي بالآداب الأجنبية ظهرت مناهج النقد الحديثة التي استعملها النقاد العرب وطبقوها على الشعر العربي، فمنهم من بالغ وخرج عن المألوف كطه حسين في كتابه الشهير (في الشعر الجاهلي)، حين عدّ كل ما هو منسوب إلى العصر الجاهلي لا يمت إليه بصله وإنه منحول من الرواة، ومنهم من تمسك بالآراء القديمة وعده كله صحيحاً كأصحاب المدرسة الأزهرية، ومنهم من أنصف بين هؤلاء وهؤلاء وأخذ يدقق في القصائد الجاهلية ويخرج الصحيح منها والمنحول، مثل الدكتور ناصر الدين الأسد في كتابه (مصادر الشعر الجاهلي).