الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

مخلفات البلاستيك.. «سرطان بيئي» يقتــــــــل الطبيعة براً وبحراً وجواً

مخلفات البلاستيك.. «سرطان بيئي» يقتــــــــل الطبيعة براً وبحراً وجواً
بين حين وآخر، يتداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي صوراً مؤثرة لحيوانات، وأنظمة بيئية كاملة، تضررت بفعل استخدام البلاستيك، تُمثل تلك الصور صدمة لمن يراها لأول مرة، فمن منا يُدرك ما يُمكن أن يُسببه كيس صغير من البلاستيك مُخصص في الأساس لحمل حاجيات البقالة؟

حين نذهب للتنزه على الشاطئ، يُمكن بوضوح رؤية مئات القطع البلاستيكية المغسولة بفعل موج البحر، فطيلة أكثر من 50 عاماً، زاد إنتاج البلاستيك واستهلاكه ليصل إلى أكثر من 3.8 مليار طن، ورغم ما يُمكن أن يُسببه البلاستيك من أزمات بيئية هائلة نتيجة تراكمه وقدرته الهائلة على مقاومة التحلل في التربة، يتزايد استخدامه بسبب خصائصه المتنوعة، فهو خفيف الوزن، ومقاوم للرطوبة، وقوي، وغير مكلف، ويُمكن استخدامه في إنتاج وتعبئة وتغليف مئات المنتجات بسهولة ويُسر.

غير أن تصاعد التحذيرات، وتراكم مخلفات تلك المادة يدق ناقوس خطر كبير، ويُشكل عبئاً مهولاً على أنظمتنا البيئية، فحسب دراسة علمية نُشرت في دورية «ساينس»، فإن كمية مُدخلات النفايات البلاستيكية من اليابسة إلى المحيط تبلغ ثمانية ملايين طن متري سنوياً، وهي الكمية التي تعادل خمسة أكياس للبقالة مملوءة بالبلاستيك لكل قدم من الساحل في العالم، ويتوقع العلماء أنه في عام 2025 ستزيد كمية المدخلات السنوية إلى حوالي الضعف، وهو أمر يُشكل كارثة على البيئة البحرية.


فمن الحوت إلى أسود البحر مروراً بالطيور والكائنات المجهرية، كان البلاستيك، ولا يزال، يؤثر بشكل كبير على وجود تلك الحيوانات، فحسب تقرير الحطام البلاستيكي في محيطات العالم، ذكرت منظمة السلام الأخضر أن ما لا يقل عن 267 نوعاً من الحيوانات البحرية عانى من ابتلاع النفايات البلاستيكية، ووفقاً للمعهد الأمريكي لعلوم المحيطات والغلاف الجوي، فإن البلاستيك يقتل ما يزيد عن 100 ألف من الثدييات البحرية سنوياً، بالإضافة إلى ملايين من الطيور والأسماك.


ويُندد المدافعون عن البيئة منذ فترة طويلة بعمليات الإنتاج المرتفعة للبلاستيك غير القابل للتحلل، ففي عام 2004 أجرى باحثو جامعة «بلايموث» بالمملكة المتحدة دراسة علمية واسعة النطاق لرصد الأماكن المتضررة من النفايات البلاستيكية في المحيطات والبحار حول العالم، ليجدوا أن كل البحار والمحيطات في العالم، بدءاً من أوروبا مروراً بالأمريكيتين وأستراليا وأفريقيا وحتى القارة القطبية الجنوبية، تنتشر فيها الكريات البلاستيكية الصغيرة التي تٌسمى «دموع حوريات البحر»، وقتها قال الباحثون إن تلك الكريات «غير قابلة للتدمير» وتطلق مواد سامة في المنظومة البحرية، وتقتل عشرات الآلاف من الثدييات سنوياً.

البشر يأكلون البلاستيك

ولا يقتصر الضرر الناجم عن الإسراف في استخدام البلاستيك على الحيوانات والأنظمة البيئية، بل يشمل الإنسان، حسب دراسة نُشرت مؤخراً في دورية «علوم البيئة والتكنولوجيا»، تقول تلك الدراسة إن الشخص العادي يأكل ما لا يقل عن 50.000 جزيء من البلاستيك سنوياً، ويتنفس كمية مماثلة.

وتُعد تلك الدراسة هي الأولى من نوعها في مجال تقييم كميات «الابتلاع البشري» للبلاستيك، وتقول الدراسة إنه من المحتمل أن يكون الرقم الحقيقي أعلى عدة مرات، ولا تعرف على وجه الدقة الآثار الصحية لابتلاع كريات البلاستيك، لكنها قد تُطلق مواد سامة يُمكن أن تؤدي إلى ردود فعل مناعية شديدة الخطورة.

وحللت الدراسة معلومات في 26 دراسة سابقة قاست كميات جزيئات البلاستيك في الأسماك والمحاريات والسكر والملح والمياه وهواء المدن، ويقول الباحث الرئيس في الدراسة، كيران كوكس، في تصريحات خاصة لـ «للرؤية» إن «معظم ما نتناوله من طعام مُطعم بكريات بلاستيكية صغيرة غير مرئية»، مشيراً إلى أنه حتى المياه المعبأة في زجاجات «تحوي جزيئات بلاستيكية تزيد بمقدار 22 مرة عن مياه الصنبور».

ولا يعرف «كيران» بطبيعة الحال ما يُمكن أن يحدث داخل أجسامنا جراء تناول تلك الكميات المهولة من البلاستيك، إلا أنه يقول أن تلك الجسيمات «قد تُسبب عواقب صحية وخيمة لها علاقة بالجهاز التنفسي والجهاز المناعي».

ابدأ بنفسك

لكن ماذا علينا أن نفعل لخفض كميات البلاستيك المستخدمة؟ يقول عالم البيئة في معهد خليج مونتيري للأحياء المائية بولاية كاليفورنيا الأمريكية، كايل هوتان، إن هناك عدداً من الخطوات «السهلة والبسيطة» التي يُمكن أن تُسهم في الحد من النفايات البلاستيكية، بعض تلك الخطوات تتعلق بالمسار العلمي نفسه «كابتكار طرق ووسائل آمنة للتخلص من البلاستيك» لكنه يرى، في تصريحاته لـ «للرؤية»، أن المستخدم العادي «يُمكن أن يسهم بطريقة فعالة في تقليل استهلاك البلاستيك».

وكل عام، يتم استخدام ما يزيد عن 20 مليار زجاجة مياه بلاستيكية ورميها في سلة المهملات، ويقول «كايل» إن العلامات التجارية الكبرى «يجب أن توفر بديلاً للزجاجات البلاستيكية المستخدمة في تعبئة المياه» وعلى المستخدم أن «يرفض مياه الزجاجات البلاستيكية ويبدأ في استعمال مرشحات المياه إذا ما كان قلقاً بخصوص ماء الصنبور»، وأضاف أن نحو 15 في المئة من استهلاك البلاستيك قد ينخفض فقط إذا ما قررنا الاستغناء عن زجاجات المياه المعبئة، وهي نسبة قد تُسهم في الحفاظ على حياة ملايين الحيوانات والكائنات العالقة في البحار والمحيطات.

«ابدأ بنفسك» هي النصيحة التي يُسديها عالم البيئة، فمنع استخدام الأكياس البلاستيك، وفرض الضرائب على المنتجات المصنوعة منه، وصناعة الوجبات المنزلية، وشراء السلع المستعملة، وإعادة تدوير جميع العبوات، كلها أمور يُمكن أن تسهم في الحد من التلوث المصاحب للاستخدام البشري للبلاستيك، على حد قول كايل، الذي يؤكد أن التعامل مع تلك الكارثة «يجب أن يتم بأسرع طريقة ممكنة حفاظاً على الأرواح، ليس أرواح الحيوانات فحسب، بل أرواحنا نحن البشر».