الأربعاء - 08 مايو 2024
الأربعاء - 08 مايو 2024

هل يمكن تناول الأدوية منتهية الصلاحية؟

هل يمكن تناول الأدوية منتهية الصلاحية؟
داخل صندوق إسعافات أولية قابع في خزانة خلفية لصيدليات بيع بالتجزئة بولاية كاليفورنيا الأمريكية، عثر العمال على بعض الأقراص الدوائية منتهية الصلاحية. يرجع تاريخ بعض تلك الأدوية إلى ما قبل هبوط الإنسان على القمر عام 1969، ومعظمها انتهت صلاحيته قبل نحو 40 عاماً.

كان أحد العمال يعرف أن صديقه لي كانتريل، الذي يعمل في مركز نُظم التحكم بالسموم في ولاية كاليفورنيا مهتماً بدراسة الأدوية منتهية الصلاحية، فعوضاً عن التخلص من تلك الأدوية وإعدامها، حملها الرجل إلى كانتريل ليدرسها.

عاش كانتريل طفولته المبكرة في الفلبين، ذلك البلد الفقير الذي تقبع نسبة لا بأس بها من سكانه تحت خط الفقر، وشاهد أبناء وطنه يتعافون من المرض عن طريق تناول عقاقير منتهية الصلاحية، إذ كان يجرى بيعها بتخفيضات كبيرة.


وحين قدم له صديقه الحقيبة التي تحوي الأدوية منتهية الصلاحية، شعر كانتريل بأنه حصل على كنز، فمن الذي يحظى بفرصة تحليل العقاقير المخزنة منذ أكثر من 40 عاماً، تقوم الصيدليات في جميع أنحاء العالم بإلقاء آلاف الأطنان من العقاقير الطبية النادرة ذات القيمة المرتفعة بعد أن ينتهي تاريخ صلاحيتها، فيما تقوم بعض شركات الأدوية بإعادة تدوير المواد الفعالة في تلك العقاقير مرة أخرى، وهو الأمر الذي يهدر مئات المليارات سنوياً، إذ تبلغ قيمة الأدوية منتهية الصلاحية، التي يتم إلقاؤها في المخلفات نحو 295 مليار دولار في السنة، أي ما يعادل عشرة في المئة من إجمالي الإنفاق الطبي في الولايات المتحدة الأمريكية.


يعد تاريخ انتهاء الصلاحية الملصق على العبوات ضرورة يفرضها القانون على مصنعي الأدوية، وتقول إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إن ذلك التاريخ يضمن «فاعلية الدواء الكاملة»، إذ ما حفظ الدواء ضمن شروط التخزين المطابقة للمواصفات.. لكن، هل يعني ذلك أن الأدوية تفقد فاعليتها على الفور بعد انتهاء الصلاحية، وماذا لو كانت النظم الصحية تدمر تلك الأدوية على الرغم من إمكانية استخدامها بأمان، وهل في تلك حالة سيعد ذلك الأمر إهداراً للموارد الاقتصادية للحكومات والجهات المعنية بالإنفاق على الرعاية الصحية؟

للإجابة عن ذلك السؤال، صمم لي كانتريل وروى جيرونا اختباراً على العقاقير القديمة التي تم العثور عليها في خزانة الصيدلية، والتي يتجاوز عمرها 40 عاماً.

شملت تلك التجربة 14 نوعاً من الأدوية، تشمل بعض الأنواع من مضادات الهيستامين التي تعالج أمراض الحساسية، ومسكنات الألم، وبعض المنشطات والفيتامينات. كانت تلك الأدوية محفوظة في عبواتها الأصلية، وفي شروط التخزين الصحيحة.

أدهشت النتائج الباحثين الذين وجدوا أن عشرات من المركبات الموجودة في الأدوية لا تزال قوية كما كانت عند تصنيعها، كما أن كفاءة المادة الفعالة وتركيزاتها وصلت إلى 100في المئة في 12 دواء من الأنواع الـ 14 التي تم فحصها.

علم الباحثان أن نشر نتائج دراستهما قد يجلب عليهما الوبال، ورغم ذلك نشرا بحثاً علمياً في دورية «الطب الباطني»، وهاجم الجمهور الباحثين ووصف الورقة العلمية بكونها «غير مسؤولة»، إلا أن الباحثين أكدا أنهما لم يوصيا باستخدام الأدوية منتهية الصلاحية، لكنهما أكدا ضرورة مراجعة الطريقة التعسفية التي تكتب بها تواريخ الصلاحية.

ويقول روي جيرونا في تصريحات خاصة لـ «الرؤية» إن مراجعة الطريقة التي تكتب بها تواريخ الصلاحية على الأدوية «يمكن أن ينقذ المليارات» وهو أمر «يصب في مصلحة منظومة الرعاية الصحية العالمية»، إذ إن ذلك الأمر يمكن أن يخفض سعر الأدوية ويحسن من الاستخدام الأمثل للموارد الدوائية.

على مدى عقود تخزن الحكومات كميات هائلة من الأدوية واللقاحات في أماكن آمنة حول العالم، توفر الأدوية المخزنة خط دفاع أول في حالة الطوارئ أو التفشيات الوبائية. وتعد تكلفة الحفاظ على تلك المخزونات هائلة، إذ إن الأدوية يجب أن تبقى في درجات حرارة مناسبة وضمن شروط التخزين الصحيحة حتى لا تتحلل. وتقوم الحكومات والمنظمات الصحية المعنية بتحديث تلك المخزونات بعد انتهاء فترة الصلاحية، وهو أمر يجعل تكلفة الحفاظ على تلك الأدوية هائلة.

وتعود فكرة انتهاء صلاحية الأدوية إلى نحو نصف قرن، عندما قررت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية مطالبة الشركات المصنعة بإضافة معلومات الصلاحية على الأدوية، بهدف ضمان عمل الأدوية بأمان وفاعلية. ولتحديد العمر الافتراضي للعقاقير المختلفة، تقوم الشركات بتعريضها للحرارة والرطوبة للتحقيق في المدى الزمني لانهيار مكوناتها الفعالة، وعلى الرغم من الاختلاف الشديد في تركيبات الأدوية، إلا أن معظمها لا يتجاوز فترة صلاحيته ـ حسب الملصق ـ ثلاث سنوات، وهو أمر يصفه جيرونا بـ «الغريب» متسائلاً: كيف يمكن أن تنتهي صلاحية كل تلك الأنواع مختلفة التركيب في وقت واحد؟

ويقول بعض أتباع نظريات المؤامرة إن شركات الأدوية تحقق فوزاً اقتصادياً عبر طباعة تاريخ الصلاحية، إذ إن الأدوية «منتهية الصلاحية» تعني شراء المنتج نفسه مرة أخرى، غير أن مسؤولي الصناعة يقولون إن سلامة المرضى «أهم أولوياتهم»، وأن تواريخ الصلاحية «تعني أن المريض إذا ما تناول العقار قبل انتهاء صلاحيته سيحصل على مادة فعالة قوية ونقية تضمن له الشفاء».

غير أن الدرسات المتوالية تثبت عكس ذلك، على الأقل بالنسبة للأدوية التي تم فحص فاعليتها بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها في الدراسة.

ويقول جيرونا إن كل علبة دواء يتم إلقاؤها في سلة المهملات بسبب وصولها إلى تاريخ انتهاء الصلاحية يتم تمرير تكلفتها إلى الجمهور عبر الضرائب أو التأمين أو الفواتير الطبية الأخرى، مشيراً إلى أن ذلك الأمر معضلة أخلاقية كبيرة تستوجب إجراء دراسات موسعة حول التكلفة الاقتصادية والاجتماعية والصحية لإعدام الأدوية منتهية الصلاحية.

إلا أن الباحث يعود ويؤكد ضرورة توخي الحذر الكامل قبل تناول الدواء منتهي الصلاحية، مشيراً إلى أن تلك الأدوية يمكن تناولها في حالة الضرورة القصوى فقط، والتي تشمل نقص الصنف الدوائي أو العيش في المناطق النائية التي يصعب وصول الأدوية إليها، أو حتى عدم توافر الأموال اللازمة لشراء دواء جديد.