الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

منظومة القيم.. والعدالة الوقائية

ندوة ماتعة عُقدت مؤخراً عن بُعد، جمعت قامات في القضاء والمحاماة، هم جناحا العدالة.. كان الحديث عن المشهد العدلي الراهن في ظل الجائحة وتداعياتها، سواء في مؤسسات القضاء من حيث التحول الرقمي واستمرارية الأعمال القضائية ومنصات العدالة الرقمية، أو في مجال مكاتب المحاماة، وما يتعين عليها في إعادة هيكلة قدراتها والاستفادة من توفر الكوادر القانونية عبر العالم.. وكانت قواسم جناحي العدالة: الإنجاز لا يعرف مكاناً، وأينما تكن تستطع العمل والابتكار عبر قيم راسخة وتقنيات حديثة لخدمة العدالة بمداد الفاعلية والمرونة.

اللقاء استشرافي، وجمالية الطرح فيه أنه جاء على لسان «من رأى ولديه مقارنات معيارية وتجارب واقعية وممارسات تطبيقية ودروس مستفادة»، وتلك هي جدارية التميز الاستباقي أن يكون كتابك صفحات مضيئة بنتائج مبهرة ومستدامة، ولا ضوء يسطع أكثر من نور حروف النتائج والأثر.

أمران شغلا حيز التفكير، وأضحيا يلحان على قلمي: الأول، جاء في ثلاثية سؤال وتبيان واستدعاء لموروثنا الحضاري: أين مرتبة القيم في عملنا القضائي؟ طرحه أحد القامات القضائية المشاركة في الندوة، وتلخصت المشاركة الثرية في حتمية الاستثمار القيمي في العدالة الناجزة وما يرتبط بها من أمانة وصدق، وأهمية البحث عن أسباب التناقض أحياناً بين «ذاتية الممارسات» و«موضوعية القيم»، لنكون في منأى عن تلك «الازدواجية السلوكية»، وأورد مثالاً عملياً من إمارات الريادة، وهو اهتمام الدولة بإعلاء القيم عبر تخصيص قيمة حضارية سنوياً، لتكون عنواناً مستداماً للدولة على مدار العام، ويتم من خلالها إطلاق المبادرات والاستدعاء الحضاري لهذه القيمة، حيث كان 2015 عام الابتكار، و2017 عام الخير، و2018 عام زايد، و2019 عام التسامح، وكلها لتعزيز هذا الاستثمار القيمي.


الأمر الثاني، سؤال نطرحه هنا: أين دور العدالة الوقائية ضمن آليات ما قبل تسوية وفض المنازعات عبر تحقيق العدالة الاستباقية؟ ولماذا لا يكون التركيز على المسار «الوقائي» للعدالة عبر إعادة النظر في أدواتنا التشريعية لتكون العقود واجبة النفاذ وتكتسب الحقوق قوتها القانونية والتنفيذية، خاصة في المجالين المدني والتجاري، دون الحاجة إلى اللجوء إلى قاضي الموضوع، وإنما لقاضي التنفيذ، مع ما يتطلب ذلك من استشراف أدوار العدالة لتكون النسخة الوقائية الاستباقية متعينة الاهتمام، وبذل الجهد التشريعي والتنظيمي والمجتمعي، بقدر الاهتمام بالعدالة القضائية والتنفيذية.