السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

الجهل النافع والمعرفة الضارة

لا أعلم لماذا يختار الإعلام الخليجي تحديداً رمضان لكي يصبّ كل ما لديه من أعمال ودراما ينشغل الناس بها خلال هذا الشهر الذي من المفترض أنه شهر ديني بالدرجة الأولى. الكل في الخليج بلا استثناء وعبر قنوات رسمية لكثير من دول الخليج شعر في هذا العام، تحديداً، بأن هذه القنوات قدمت ما لديها من دراما بطريقة جعلت الكثير من أفراد المجتمعات في الخليج يعلنون تبرؤهم من هذه الدراما، وهذا حصل مع مسلسلات شهيرة عرضت على تلفزيونات خليجية هذا العام. طبيعة المجتمعات الخليجية أنها ذات نزعة جماعية تتأثر بالعقل الجمعي أكثر من الرأي الفردي، بمعنى دقيق الطبيعة المجتمعية في الخليج لن تقبل النقد للسلوك الجمعي والقيم الجمعية، بينما قد تقبل النقد الفردي مهما كان قاسياً، والفرد في مجتمعاتنا ينظر إلى مجتمعه بطريقة مختلفة عن كثير من دول العالم، فالفكر الجمعي أهم من الفكر الفردي، لذلك أي نقد للسلوك الاجتماعي يواجَه بهجوم شرس من قبل الجميع. استفزاز المجتمعات الخليجية عبر نقد قيمها وثقافتها أمر معقد، سواء في الرفض أو التأييد، لذلك يجب ألا ينظر إلى ما تقدمه الدراما الخليجية على أنه نقد إيجابي، بل هو بالتأكيد معرفة ضارة إذا ما تم طرحه بطريقة مثيرة للكيان الاجتماعي، خصوصاً أنه قد يصبح من الضروري إبقاء المجتمع في مرحلة جهل نافع بدلاً من إدخاله في مواجهة فكرية مع بعضه، لا تؤدي إلى إحداث فارق في الوعي أو الثقافة. المجتمعات الخليجية مجتمعات ذات طبيعة تتأثر بالكثير من القيم الفكرية والقبلية والثقافية والدينية، لذلك فإن النقد المباشر لهذه التركيبة من المجتمعات عبر الطرق الدرامية سيكون سبباً في بناء نموذج من الصراع الثقافي بين المؤدين والمخالفين، وهذا الصراع لن يقدم أي فائدة على مستوى الانتقال إلى مراحل أكثر تقدماً في الحياة المجتمعية. طبيعة المجتمعات أنها تصحح أخطاءها بشكل تلقائي، وهذا التصحيح لا يوفره النقد المباشر للمجتمع، بل توفره الحاجة العامة للتغيير، بمعنى دقيق النقد الدرامي لا يعدو كونه صورة مثيرة وليس برنامجاً إصلاحياً، فالمجتمعات مهما كانت تقليدية أو حداثية لا تقبل التغيير أو النقد إلا من خلال حاجاتها ووفقاً لطريقتها في الحياة، وخير مثال على ذلك قدرة المجتمعات على التكيف السريع مع التحولات التقنية التي تسهم في إحداث نقلة نوعية في خصائص حياة البشر، وسوف تحقق التقنية الكثير من النتائج بطريقتها الخاصة من دون ضجيج مجتمعي، كما يحدث أمامنا في دراما رمضان السنوية.