السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

تعصب على الشبكة

استنزاف عاطفي واجتماعي هو ما يصيب الأشخاص مستهلكي وسائل التواصل الاجتماعي، نتيجة جدالات ومهاترات لا تنتهي، تثيرها على الأغلب مواضيع ذات طبيعة جدلية كموضوع الساعة، الذي يجمع أطرافاً مختلفة من العالم حول قضية واحدة وهي الكرة المستديرة، ضمن منافسات نهائيات كأس العالم التي انطلقت في روسيا في الخامس عشر من يوليو الجاري، فبينما يمنع بعض مدربي الفرق الكروية لاعبيهم من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لأسباب تتعلق بإهدار الوقت فيما لا ينفع، يقضى ملايين المتابعين أوقاتهم في تتبع نتائج المباريات، ومواقف لاعبيهم المفضلين، وحتى عقد المقارنات المضحكة في مواقف مدربي الفرق أنفسهم، أما وسائل الإعلام فلا تتورع عن اختطاف كل تدوينة وتغريدة تصدر من لاعب ما عبر حساب تويتر، وتحويلها إلى مانشيت لاذع يتصدر العناوين. ووسط هذا الزخم الكروي الرقمي المثير، كثيراً ما يختلط الحابل بالنابل، والرأي بالحقيقة، مفجراً خصومات متعصبة تحفزها وسائل الإعلام الرياضي غير الموضوعية والمنحازة، والتي شقت طريقها هي الأخرى من خلال الشبكة، وهو أمر مما لا شك فيه يوضح الكثير عن وعي ممارسي هذا الدور الإعلامي وثقافة المتلقين في الوقت نفسه. كان الأديب الأرجنتيني بورخيس يرى أن تنافس أحد عشر لاعباً مع نظرائهم الأحد عشر على الركض وراء الكرة، هو أمر ليس به جمال، وهو قول يستهجنه ملايين الأشخاص حول العالم، إلا أنني أعتقد أن البشاعة تكمن في ما يفرزه هذا الركض من صراعات نقلت في هذا الوقت على شبكات التواصل الرقمي، مما يطرح تساؤلاً عن حقيقة دور هذه الشبكات في تغذية التعصب الكروي عند الجمهور، والذي تجاوز مسألة التنفيس عن المشاعر الساخطة - الذي غالباً ما كان يحدث في المدرجات أو المجالس ـ إلى مرحلة من الانحياز النفسي والانتقائي في هذه الرياضة، أسهمت في إبرازه السهولة التي تتيحها تكنولوجيا اليوم لصناعة المحتوى ونشره وتوزيعه عبر الشبكة، فنحن لم نعد نتحدث عن مجرد جمهور يعبر عن تعلقه الشديد وانتمائه لفريقه المفضل، بل إننا نعاين ظاهرة أفرزت وجوداً رقمياً مؤثراً ومساهماً في الحدث الرياضي وصناعة القرار حوله. [email protected] إعلامية ومدربة معتمدة