السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

طريق العودة بعد «السؤدد»

حينما تصل الفكرة إلى حدود الاعتقاد السائد؛ تكون قد قطعت شوطاً كبيراً في إثبات هويتها. فما يهم الأفكار هو الوصول وحجز جزء من الذاكرة البشرية التي لم تفصح لنا بعد عن السر الذي يدفعها للاحتفاظ بهذه الفكرة دوناً عما سواها. وحينما تسود الأفكار، يصبح أي حديث عنها ـ حتى وإن كان تشكيكاً ـ محفزٍاً لتذكرها أو لترسيخها بوصفها اعتقاداً سائداً في ذاكرة أشخاص لم يسمعوا بها بعد. وبذلك تزداد المساحة الممنوحة لها في الذاكرة البشرية. ويأتي مع ذلك الوجود في تلك المساحة، مؤيدين للفكرة الراسخة في أذهان الكثير من الأشخاص. ومن معاني التأييد اعتراض أي محاولة فردية كانت أو جماعية لزعزعة أركان ذلك السؤدد. فتكتفي الفكرة بالوصول، ونقوم نحن ـ ما دمنا موقنين بها - بما تبقى للتأكد من بقائها مكانها! وفي رحلة السيادة تلك تحتفظ بعض الأفكار باسم مبتكرها، فيصلُ بدوره إلى الذاكرة البشرية. في حين قد تغفل أفكار سائدة أخرى عن حمل اسم صاحبها معها، فتظل سائدة ويبقى هو مجهول الهوية. وفي حال لم نكن مقتنعين باعتقاد سائد، نجد أنفسنا بحاجة إلى الخوض في عدد كبير من المعارك الصغيرة هنا وهناك. كخطوة تصحيحية نرى أن الذاكرة البشرية بحاجة إليها. والعديد من المعارك الصغيرة المتناثرة قد لا يصل بنا إلى النتيجة التي نصبو إليها. فكيف يمكننا تصيح اعتقاد سائد دون هدر أي جهد فكري؟ وهل الاصطدام مع الذاكرة البشرية أجدى أم محاولة فك شيفرة صنع اعتقاد سائد مضاد لما نرغب في تغييره؟ وما الذي سيتطلبه الأمر منك ـ إن كنت أحد المقتنعين بصحة تلك الفكرة ـ للانتقال من هذا الجانب للجانب الآخر؟ عليه، يكون خيار بذل كل جهد فكري لبناء اعتقاد سائد صحيح مناسباً أكثر من محاولة اللحاق بآخر لم نعد موقنين بصحته بعد الآن. صحيح أن الطاقة التي ستبذل خاصتك، لكنها في غير مكانها الصحيح هدر صريح لا يجدر بنا ارتكابه متعمدين. يقول آرثر سي كلارك: «لا يبدو الأمر صائباً حينما ندعو هذا الكوكب بالأرض بينما يبدو جلياً لنا أن معظمه عبارة عن محيطات». [email protected]