السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

كرونوفوبيا 2

من واقع الردود التي تلقيتها رداً على المقال السابق، يتضح جلياً أن رهاب الوقت هو واحد من أهم أمراض العصر، ويعاني منه طائفة كبيرة من البشر هذه الأيام. وهو ليس بالأمر الهين، وتفيد دراسة نشرت عام 2013 من الرابطة الأمريكية للطب النفسي APA أنه في الحالات القصوى، يمكن أن تؤدي كرونوفوبيا غير المعالجة إلى العزلة والاكتئاب والتفكير المضطرب بشكل متزايد، وتستدعي طلب المشورة من اختصاصي في مجال الصحة العقلية في أقرب وقت، حيث يستخدم معالجات الرهاب القياسية مثل العلاج المعرفي السلوكي والتنويم المغناطيسي. وفي بعض الحالات، قد يصف الأطباء النفسانيون الأدوية الكيماوية. لكن الخبر الجيد هو أن الأغلبية العظمى من الذين يعانون رهاب الوقت يحتاجون فقط إلى تغيير سلوكي يؤدي بالضرورة إلى التخلص التدريجي والمستدام. مع التنويه أن ذلك لا يعني عدم معاودة الشعور بالرهاب بين حين وآخر. العلاج يكمن في أن يجعل المرء لحياته معنى نبيلاً يستأهل التعلق به والسعي إلى إدراكه وتحقيقه، لكن في المقابل عليه أن يعي جيداً أن الحياة ليست مثالية، وأن النقص والضعف والتقصير سمات أصيلة في البشر. وإنما يتفاضلون حسب سرعة التعافي من الخلل، والنهوض بعد السقوط، والنشاط بعد الكسل، والبدء من جديد من دون يأس أو ملل. فكل الناجحين والعظماء لم ينالوا المجد لأنهم لم يكسلوا أو يفشلوا أو يخافوا، بل لأنهم لم يستسلموا لتلك الأحاسيس واستطاعوا التغلب عليها مراراً وتكراراً. ثم إنه من المهم ألا يقارن المرء نفسه بغيره، وألا يتخذ من العظماء والناجحين مقياساً له، بل يكفي أن يتخذهم نبراساً ينيرون طريقه، وحافزاً يدفعونه لبذل المزيد من الجهد. فما يصلح لأحد ما، قد لا يصلح للآخر، وما يميل له القدوة قد لا يتوافق مع ميول المقتدي، وقد تختلف البيئة والظروف المعيشية بينهما. وما يمنحنا الراحة والأمان هو أن نكتفي بمنافسة ذواتنا عن طريق مقارنة أدائنا الآن بما كنا عليه قبل سنة أو عشر سنين على سبيل المثال. وأيضاً علينا أن ندرك أنه ليس هناك وقت مثالي للإنجاز يصلح للجميع. فقد يسبقني زميلي ويتخرج قبلي؛ لكني أحصل على الوظيفة قبله. وقد تتزوج الفتاة متأخرة، لكنها تحظى بزوج يمنحها حباً وحياة سعيدة قلما تتكرر. فالمهم هو أن نبذل الجهد ونتماهى مع نبض الحياة. ننشط ثم نسكن للراحة، كي ننشط من جديد، من دون سباق مع الزمن ولا خوف منه. [email protected]