السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

وقفة عرفة .. وقفة مع النفس

إن من منافع العامَّة للناس فى الحج تعزيز وحدتهم وتأكيد المساوة التى أراد الله أن يرسمها للمؤمن، كمبدأ إلغاء الفوارق، ونبذ مبدأ التفاضل بين البشر حسب أجناسهم وألوانهم ومكانتهم في الدنيا، تجمعهم التلبية - لبيك اللهمَّ لبيك، والحج المقبول يبقى أثره واضحاً في حياة الحاج ومعاملاته واستقامته فيما بعد الحج. وتعتبر أيام الحج من مواسم الفضل الزمانيَّة والمكانيَّة، كشهر رمضان، والحج أوقات معلومة مشمولة بالجوائز العظيمة والعطايا الجزيلة، وما يحمله هذا المحفل الإيماني من حضّ على تعاهد القلب بالتوبة والإنابة إلى الله؛ حتى لا يعكر صفو إيمانه شيء فى حياته. ولهذا كانت هذه المواسم للتذكير والمراجعة والمسارعة إلى المغفرة، لكي نبتعد عن اليأس والقتوط من رحمة الله، والترغيب بالعمل الصالح، ولهذا نجد أن من مآثر الحج محاسبة المؤمن لنفسه، والتأمل في مسار حياته، ومحاولة إعدادها لتسلك الطريق القويم، «بتقوى الله»ويتعاهد نفسه على الصالحات التي تنجيه، وقد رغَّب العلماء في وجوب محاسبة النفس فيما سلف من الأعمال، من أجل صلاح القلب وتطهيره، فلا تزكو القلوب إلا بمحاسبتها، والرغبة لضبط النفس، ولهذا تعدُّ تزكية النفس وطهارتها من شروط دخول الجنّة. لا بدَّ أن تصبح محاسبة النفس ذات تَوَجُّه اختياري ذاتي، لوقف شر تلك النفس الأمارة بالسوء، إنّ الله عزَّ وجلَّ قد أقسم على فلاح من زكّى عن نفسهِ، حيث لا بدَّ من أن تنظر النفس إلى ما قدمت لغدٍ، ولأن الإنسان على نفسه بصير؛ كونه لا يستطيع أن يجهل نفسه إطلاقًا، فهو يعلم حقيقة نفسه من دون شكٍّ، وإدراك ضعفها، ويتداركها بالسعي لإصلاحها، لأجل أن المسؤوليَّة ذاتيَّة، ولأن التبعة فرديَّة والإنسان يحاسَب عن نفسه لا عن غيره، فلا بد من جواب واستعداد (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نفْسِهَا). إن محاسبة النفس قد لا يتسع لها كل وقت، ولكن تأتي هذه الأيام الفضيلة لترسم الطريق إلى التوبة، ومن ثم يراعي المؤمن ربه في كل أحواله، فليحذرها بما يفوتها من ثواب الليالي العظيمة مثل أيام العشر من ذي الحجة، وتشكل وقفة عرفة وقفة مع النفس؛ لمحاسبتها ومراجعة أعمالها، ولهذا يعتبر الوقوف بعرفة أهم ركن من أركان الحج، كما في الحديث «الحج عرفة»، إنه يوم اعتراف المؤمن بذنوبه، ولهذا يعتبر أكثر يوم يعتق الله فيه عباده من النار، لهذا جعل الله من مناسبة الحج (منافع للناس جميعاً)، والنجاة إلى بَرِّ الأمان لا تحصل إلا باغتنام فرص العفو الإلهي في أيام قد كتب الله فيها على نفسه المغفرة والرحمة. [email protected]