الجمعة - 10 مايو 2024
الجمعة - 10 مايو 2024

هناك ما هو أجمل من التغريدات

نحن نتلقف كل ما يرِد من الأجنبي تلقف البائس الملهوف، لا نتردد بقبول الوارد وجعله جزءاً من حياتنا و تعاملاتنا اليومية، فكل ما يرد إلينا هو مقبول بغير اعتراض و مرحب به بغير امتعاض، لا نكلف أنفسنا و لو قليلاً بالبحث عن البديل في ثقافتنا وتراثنا؟ لا أعني بذلك الانعزال عن العالم و التقوقع في مكان غير مرئي، لكن صدور هذا الكم من الكتب (شعراً و نثراً) و التي تحمل عنوان (تغريدات) ما هو إلاّ عجز في ثقافتنا العربية، فنشر حكمة أو توقيع أو قول أو مثل في موقع (تويتر) لا بأس به، لكن إعادة نشر المنشور في كتاب بعنوان (تويتريات أو تغريدات) هو القصور في الثقافة. نعم تويتر من أشهر شبكات التواصل الاجتماعية، وهو ما يسمى خدمة نشر التدوينات المختصرة، بما لا يزيد على 280 حرفاً للرسالة الواحدة، و تلقي الإعجاب على ذلك النشر، هذه الشبكة ظهرت في أوائل عام 2006 كمشروع تطوير بحثي أجرته شركة «أوديو» الأمريكية في مدينة سان فرانسيسكو، وبعد ذلك أطلقته الشركة رسمياً للمستخدمين في أكتوبر 2006 م، ثم بدأ الموقع في الانتشار كخدمة جديدة على الساحة في عام 2007، وفي أبريل 2007 قامت شركة «أوديو» بفصل الخدمة عن الشركة وتكوين شركة جديدة باسم تويتر، وقد أصبح موقع تويتر متوفراً باللغة العربية منذ مارس 2012، ويُعرب على (تغريدات) وهي جمع (تغريدة). أي أن عمر ما يسمى بالتغريدات يزيد على العشر سنين بقليل، وفي الثقافة العربية هناك فن جميل يسمى التوقيعات يزيد عمره على 1400 سنة، و فن التوقيع أو التوقيعات هو فن نثري عرف قبل العصر الأموي (41هـ - 132هـ)،‏ وإن قال البعض: إنه أموي النشأة.‏ والتوقيعات فن نثري له صلة بفن الرسائل من حيث المضمون، فإذا كانت الرسالة تتضمن مطلباً يُراد تحقيقه من خلال بناء فني لها، فإن التوقيعات مع إيجازها تعد بمثابة جوابٍ للرسالة، والتوقيعات عبارة موجزة، سليمة التركيب، دقيقة الفكرة، مركزة، تحمل رأي كاتبها في شكوى، أو مسألة من المسائل، أو تعليق على موقف معين.‏ عرفت التوقيعات منذ عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إبان الفتوحات الإسلامية، نظراً لضرورة هذا الفن، وملاءمته لظروف المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت.‏ تتميز التوقيعات بالإيجاز، و القدرة على البيان، وسرعة الخاطر، و هي من ميزات العرب التي أدت إلى ظهور هذا اللون الجديد من الكتابة، التي سُميت بالتوقيعات، وقد زاد اهتمام الكتاب، والخلفاء، ورجال الدولة بذلك الفن في العصر العباسي، واشتهر بالمهارة والتجويد فيه الكثير من الخلفاء، والوزراء، والكتّاب.‏ إذاً ما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي الآن من باب الرسائل القصيرة أو التعليقات أو الحكمة أو ما شابه ذلك إنما هو فن عربي قديم اسمه فن التوقيعات، أو مستوحى منه، و التغريد عندنا للطيور! [email protected]