الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

رحمة

حين تضطر إلى التعامل مع الإنسان المُشتت، أو الغضوب، أو الكسول، ومحدود الذكاء وغائب الفطنة، أو أي سلوكيات توترك أو تجعل التعامل معه صعباً، فتأكد أنك إن كنت للرحمة أقرب، ومستعد للتعامل وفق ما تفرضه الفوارق بينكما، حتماً ستكون وصلت لغاية النبل، والتواضع، والإنسانية. ولمن لا يستطيع تحملهم، أو تأخذه الظنون بعيداً بأن سلوكهم نابع من العناد، أو «الاستهبال» وادعاء الغباء، أو تهرباً من المسؤولية، كأنه سلوك متعمد، وصبياني، لا يمكنك أن تأخذ ذلك على المطلق، لأسباب كثيرة ستعيد حساباتك حين تتذكرها. فإذا اتفقنا على أن النجاح، والإبداع، والتميز، والقبول، والتوهج، والبروز، رغبة عميقة لا يكاد يخلو منها بشر، لأنها حاجة فطرية، وليست ترفاً، أو هامشية، فالإنسان لا يقبل الهزيمة حتى في لعبة، فما بالك بالحياة بكل ما فيها. وما يفعله المذكورون في أول المقال، هزيمة كبرى، تؤدي بهم للخسارة تلو الخسارة، وينفرون الناس منهم، وتقل فرصهم في الحصول على الحب، والقبول، والاحتواء. إنهم يمارسون حرباً ضد أحلامهم، وضد أنفسهم، إنهم لا يعرفون كيف يجمعون شتاتهم، إنهم يعيشون عذاب الجهل، ومحدودية النباهة، إنهم ضائعون في مكان لا يعرفون كيف يخرجون منه، لذا فإنهم حين يتحدثون يورطون أنفسهم، وحين يفكرون لا يعرفون لماذا يحدث معهم كل ذلك، وحين يتصرفون فإنهم يأتون بالعيد قبل أوانه. إنهم معذبون، إنهم يعانون انهيار علاقاتهم، إنهم يعيشون أزمة ثقة مع الآخر، لأنهم لا يحصلون إلا على نتيجة واحدة، الترك، والانسحاب، والعزلة، فيزداد غضبهم، وتقل فرصهم، وهكذا هم يعيشون ألماً لا ينقطع، واصطدامات مع محيطهم وتخبط. لذا حري بك أن تتسلح بالرحمة في وجه التكبر، وتأخذهم على محمل الشفقة وليس المحاسبة والعقاب، فإن لهم طموح، وأحلام، ومشاعر، لن ترى النور، لأنهم لا يعرفون كيف يصلون بها إلى الواقع، وكلما حاولوا، تعثروا في نقصهم. الرحمة تأتِي بمعية الخير والحب، إنها السلام الذي تعيشه بينك وبين ذاتك، إنها تحطم أي محاولة لخلق الطبقية، أو شيطنة الآخر، بل الرحمة بوابة الانفتاح على الكون بكل ما فيه. [email protected]