الجمعة - 10 مايو 2024
الجمعة - 10 مايو 2024

هل هذي عيشة?

اليوم أنقل لكم قصة كما وصلتني من راويها، قصة تحاكي واقعنا المعاصر، تحاكي حياة كثير من الناس اليوم، وأقصد من لا يعرفون قيمة ما لديهم من نعم، وخصوصاً الذين يشتكون من قلة الرزق وقلة الحظ وكثرة المشكلات وسوء الحياة، كما كنت أسمع من بعض من أعرفهم وتربطني بهم علاقة وطيدة، حيث لسان حاله أنهم يشعرون بأن حياتهم كلها بين هم ونكد وحزن وألم. وتناسى هؤلاء السلبيون المتشائمون أن خزائنهم مليئة بالنعم وغنية بالصحة والعافية، فهؤلاء ومن على شاكلتهم فقدوا مفاتيح كنوزهم، وهي التفاؤل والصبر والقناعة والإيمان ومعرفة قيمة الأشياء التي يمتلكونها. يقول صاحب القصة: كنت أعمل بأحد المستشفيات بمدينة، ويوماً أبلغني المشرف بعدما قاربت فترة دوامي على نهايتها أن شخصية اقتصادية تتعامل بمئات الملايين في الأسهم قادم وعلي استقباله وإكمال إجراءات دخوله، انتظرت عند بوابة المستشفى راقبت من هناك سيارتي القديمة جداً، وتذكرت خسائري الكبيرة وأقساطي المتعددة. عندها وصل الملياردير ليكمل مأساتي حيث حضر بسيارة أعجز حتى في أحلام المساء أن أمتلك مثلها، يقودها سائق يرتدي ملابس أغلى من الثوب الذي أرتديه. دخلت في دوامة التفكير في الفارق بين حالي وحاله، مستواي ومستواه شكلي وشكله. قلتها بكل حرقة ومنظر سيارتي الرابضة كالبعير الأجرب يؤجج مشاعري (هذي عيشة). عموماً سبقته إلى مكتبي وحضر خلفي وكان يقوده السائق على كرسي متحرك رأيت أن رجله اليمنى مبتورة من الفخذ اهتزت مشاعري وسألته: عندك مشكلة في الرجل المبتورة: أجاب لا قلت: فلماذا حضرت يا سيدي. قال: عندي موعد تنويم قلت: ولماذا؟ نظر إليّ وكتم صوته من البكاء وأخفى دمعة حارة بغترته وقال: ذبحتني الغرغرينا وموعدي هو من أجل (بتر) الرجل الثانية. عندها أنا الذي أخفيت وجهي وبكيت بكاء حاراً، ليس على وضعه فحسب بل لكفر النعمة الذي يصيب الإنسان عند أدنى نقص في حاله ننسى كل نعم المولى في لحظة ونستشيط غضباً عند أقل خسارة، تحسست قدمي وصحتي فوجدتها تساوي كل أموال وسيارات العالم .. انتهت القصة. تأكد أن كثيراً من المشكلات التي تمر بك قد تكون اختبار منه جل وعلا لأنه يحبك ويريد تطهيرك من ذنوبك بمصائبك، وقد يكون سبباً في حمايتك من النار، ودخولك الجنة بسلام. فإذا أردت السكن والسكون فقط تحتاج أن تثق بالله عز وجل، ويقبل بقضاء الله وقدرته، وهو أجمل شعور يتولد لك فيجلب لك أملاً وطمأنينة وراحة بال وسكينة ووقاراً وفتحاً لأبواب كانت مغلقة، وخيراً عظيماً من نعم الله عليك، وهمسات راقية في محطات حياتك الجملة. فالذي يتذمر من حاله وفقره وعوزه، ويشتكي الناس من قلة رزقة وقلة حظه والهموم والأحزان تحيط به من كل جانب. أقول له والله لو تأملت في حياتك الجميلة بشكل إيجابي لوجدت خزائن ربك مليئة بالبركات وغنيّة بالنعم والخير الكثير ولكن لأنك فقدت مفاتيح كنوزك التفاؤلية والإيجابية والقناعة بما قسم الله لك، ولم تعرف من أنت وما أسرار ما تملك، ولم تصبر الصبر الجميل دون تذمر وشكوى، وتناسيت الإيمان بالقضاء والقدر خيرة وشره. يقول أحد الدعاة: حين تتحدث مع الله، هو الوحيد الذي لا تخجل أن تحكي له أي شيء، ولن تكون محتاجاً لأن تشحن رصيد هاتفك، ولن تكون مضطراً لأن تتردد في كلماتك، ولن تحتاج أن ترفع صوتك حتى يسمعك، ولن تخاف من أن يفهمك بطريقة خاطئة. إلهي ما أعظمك، إنك تدبر لنا في الغيب أموراً لو علمناها لبكينا فرحاً. ومضة: يقول ابن عباس: ألا تقرؤون قوله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً) .. فلو أُطبقت السماء على الأرض لجعل الله للمتقين فتحات يخرجون منها، فلا تعجزك ضخامة الأمنيات فربما دعوة واحدة ترفعها إلى اللّه، تجلب لك المستحيل .. وإن لم تحصل عَلى ما أردت يوماً اصبر وابتسم لأنه كما قال ربك لك بكل رحمة ولطف: (إِنَ مَعَ العُسرِ يُسرا)، فلا تقُل هذا من سوء حظّي بل قُل لعلّ الله أراد لي الأفضَل.