الجمعة - 10 مايو 2024
الجمعة - 10 مايو 2024

آفة العزوبية (1 ـ 2)

توجه سُهيل بعد تعيينه في الوظيفة الجديدة بأسبوع واحد مبتهجاً إلى مكتب المؤسس والمدير العام للشركة المحلية لمكافحة آفة العزوبية، ليطلب منه قرضاً يعينه على الزواج.. - آسف جداً يا سُهيل! غير مسموح بمنح مميزات الشركة على العاملين فيها، ثم إن الشركة تمر هذه الفترة بضائقة مادية كبيرة، وإلى اليوم لم نتمكن من دفع قيمة الضرائب المستحقة على الشركة للعام الماضي، وكما ترى بنفسك قلة نسبة الطلاق هذه الأيام، وندرة العزوبية، ما أضر بوارد الشركة المادي.. انصاع سهيل لجواب السيد المدير مستغرباً، وأطاع متمتماً: يا لسوء حظي وحظكِ يا سُهيلة.. صرخ المدير بوجهه قائلاً: ما بك تردد كلاماً خفياً؟ أجاب سُهيل على الفور: زميلتي في العمل سُهيلة أصيبت بانهيارٍ عصبي، وأصبحت تشعر وكأنها شبح قائم فقد الشعور بالحياة.. ثم أردف قائلاً: كانت أمها سبباً في فسخ خطوبتها العام الماضي لأنها تظن أن الشخص المعني لا يلائمها بتاتاً، وفي الأسبوع الماضي فعلت مجدداً مع خطيبها الثاني، لأنها اشترطت عليه مهراً باهظاً لزواجها.. أثار هذا الأمر مدير الشركة، فعدل من جلسته وتهيأ لرمي سهيل بوابلٍ من الأسئلة: أمها؟! الوظيفة؟! ماذا يعني هذا؟ من الذي سيتزوج، سُهيلة أم أمها؟! أجاب سهيل: هذه هي حال المِسكينة المَكينة.. تساءل المدير متجاهلاً منفعة الشركة قائلاً: أيعقل هذا؟! ألا ترى في ذلك ظُلماً مُحدثاً يُرمّم به جدار العزوبية الحائل بين بني البشر، وبين تجديد الألفة ومواصلة النسل في أيامنا المعاصرة. أجاب سهيل: أرى ما ترى سيادة المدير العام، وقد نصحتها اليوم ألا تبتئس، فلعل في ذلك صلاحاً خفياً لها.. سخر المدير من كلامه، وراح يتساءل مجدداً: أي صلاحٍ هذا الذي تتحدث عنه يا سُهيل. ألم تذكر لي أنها النكسة الثانية التي حلت بها في محنتها مع الاقتران بمن ترغب؟ ما كان على سهيل إلا إجابة السؤال: أحاول بذلك أن أهدئ من روع المفجوعة.. فقال المدير له: عليك النطق بالواقع! ذلك ما يجب أن تتعلمه من المنهج الخاص للشركة في مكافحة آفة العزوبية.. عقب سُهيل دون أن ينتبه لفحوى كلامه عن عدم رضاه من كلمة الواقع التي صدمت مسامعه: وأي واقع هذا سيادة المدير العام؟ الذي وقع عليّ اليوم، أم الذي وَقّعَت لمثوله أُم سُهيلة، أم الواقع الاجتماعي المريض؟ أجابه المدير: تجريد المُسَبِّب من الخلل، أستاذ سُهيل.. تنحنح سهيل قليلاً، وعقب على كلام المدير قائلاً: ربما بعقاقير شركتكم الموقرة يتم تجريد جَريد النخل من عبث الجرذان، لكن أُم سهيلة لا تساهل ولا مساومة في قاموسها التجريدي المادي.. وضع السيد المدير العام سيجارة في فمه وأشعلها، ثم نفث دخانها نحو الأعلى مزهواً، وقال: زواج سهيلة من رجل ثري سيسهم في حل عزوبيتها، وهاجس العزوبية الضرورية لأم سهيلة.. سأله سُهيل مندهشاً: أتقصد زواج المصلحة؟ أجاب المدير مبتسماً: بدأت تدرك أسلوب العمل معنا، لكني أرجح وصف زواج الانفكاك من العبودية والمصلحة المادية بدلاً مِما اصطلحت له.. قطب سهيل ما بين حاجبيه، وعيناه ترمقان الأرض، وأخذ يتساءل: وما مصير المشاعر الحقيقية والمبادئ والألفة المتبادلة، ألا محل لها هنا من الإعراب في السعادة الزوجية المبتغاة وتكوين الأسرة؟ أجابه المدير واثقاً من كلامه: ستَفِد تباعاً، وعلى الأرجح توضع تلك الأخلاقيات والرومانسيات التي تؤمن بها في رحم الأمومة. - وإن لم يتحقق ذلك؟ - تفاءلوا بالخير تجدوه! - عفواً سيادة المدير! لم أدرك ما تعنيه. كيف للتفاؤل بالخير يتأتى مع النية المُسَدّدة نحو المصلحة الشخصية؟ - أنسيت واجبك في الشركة التي تتبنى المصلحة الشخصية، وعدم التعاطي الأمثل مع مثل هذه الأمور؟! انتظر وتربص! - عذراً لتطفلي سيادة المدير العام، هل تعني أن بمقدورك أن تجد عريساً ثرياً لسهيلة، وبالمقابل سَتَمتثل هي لذلك؟ - بالتأكيد يا سُهيل! الخبرة، والارتجال، وسرعة تنفيذ القرار أهم ما يميز العمل الناجح في شركتنا.. ثم نهض المدير العام من كرسيّه ورتب ربطة عنقه جيداً كمن يتهيأ ليوم زفافه، وقال لسُهيل: هلم معي! سأله سُهيل مندهشاً: إلى أين، سيادة المدير؟ أجابه المدير: إلى زميلتك سُهيلة.. في الغرفة التي تجلس فيها سُهيلة دخل مدير الشركة، وخلفه سُهيل يتبعه.. - كيف حالكِ آنسة سهيلة؟ نهضت سُهيلة من مكانها. وتلكأت قليلاً وهي تجيب على التحية: نَحِم إحِم.. نحمد الله ونشكره سيادة المدير العام.. بسط المدير يده أمامه: أرجوكِ تفضلي.. اجلسي! سحب المدير كرسياً بجانبه وجلس عليه.. وبدأ الحديث معها قائلاً: في الحقيقة أحطت علماً بفاجعة العزوبية لديكِ. لا بأس عليكِ آنسة سهيلة، بصبرِك وتفانيك ستتجاوزين محنتك قريباً إن شاء الله.. احمر خداها خجلاً، وردت على رجواه ممتنة: شكراً! هذا لطفٌ منك سيادة المدير..