الاحد - 18 مايو 2025
الاحد - 18 مايو 2025

الغرور وعواقبه

عندما أنزل الله القرآن الكريم قال عنه إنه أحسن الحديث، وفيه هداية ونور منه سبحانه، يهدي به من يشاء من ظلمات الضلال الذي ينتج عن فجور النفس وانغماسها في شهواتها وملذاتها الكثيرة، وما تطرق القرآن إلى أمر إلا لحكمة بالغة سواء كان الأمر خيراً أو شراً. ذكر الله الغُرور في سبعة وعشرين موضعاً قرآنياً، وجاء على ذكره في مواضع عدة، وفي قصص كثيرة أولها قصة إبليس وغروره الذي أخرجه من عالم السماء، فخرج من الرحمة وسقط في غضب الله وسخطه، فكان اسم إبليس من جنس فعله، فأحد أسمائه هو الغَرور، ولعل بعضنا لا يدرك أن الغرور درجات أعلاها التكبر، وأدناها التهكم والاستهزاء وعدم قبول النصح. البعض لا يدرك أن الغرور تهلكة، ونراه مغتراً بنفسه معتزاً بها في مواضع نهى الدين الحنيف عنها، بل إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، عدها من الجاهلية. والغرور مرض نفسي ينتشر بسرعة رهيبة بين البشر في أقوالهم وأفعالهم وأسلوب حياتهم، وتفاخرهم بما ليس فيه شيء من الفخر، فنرى قصة أصحاب الجنة الذين أقسموا أن لا يدخلنها عليهم مسكين، ونرى الغرور ونتائجه في قصة من قال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً. إن الكلمات التي نستخدمها إما أن تقودنا للفلاح أو للهلاك، بضع كلمات قالها إبليس في تفاخر وغرور فأخرجته من رحمة الله إلى عقابه وسخطه، وبعض تلك الكلمات جعلته من أصحاب الدرك الأسفل والعياذ بالله. فكم من الكلمات نقولها نحن البشر ولا ندرك حجم الخطيئة التي نقترفها في حق ذواتنا أولاً، ثم في حق الآخرين من حولنا. إن الغرور في معناه هو الخطيئة أو الانخداع النفسي في أمر ليس فيه شيء من الصحة، وهو غفلةٌ في يقظة، حيث إن الإنسان يصيبه الغرور وهو يقظ، ولكنه لا يدرك ذلك لأن نفسه منعت عنه وعي العقل وغمسته في شهوة ولذة، وأصبح طول الأمل في الحياة هو المنحى الذي يسلكه، وزخارف الدنيا هي كل ما يتمناه ويحلم به. فعل وقول يجعلاننا نرى أنفسنا فوق الآخرين، وتفاخر بنسبٍ أو مالٍ أو ولدٍ أو شكلٍ أو عرقٍ أو منصبٍ يغمسنا في ضلال لا ندرك مساره ودوائره السوداء، إن الغرور الذي يصيب البشر في نواحي حياتهم يجعلهم ينتهجون المقارنة كأسلوب تقييم نفسي، فيرون أنهم أفضل من الآخرين في ما سبق ذكره. هذه الطريق تقود البشر إلى الطبقية والعرقية والعنصرية والتفرقة بين الأعراق، بل إن الغرور يقود البشر إلى الجريمة، ولعلنا نذكر الجريمة الأولى على الأرض سببها كان المقارنة والغرور، وكانت العين التي تقارن هي عين النفس لا عين البصيرة، رجل غرته نفسه فقتل أخاه في لحظة ظناً منه أنه هو الأفضل. الغرور أمر قاتل، فلا ينشأ في قوم إلا وأهلكهم، ولا ينتشر في دار إلا وأفسدها، ولا ينتهجه إنسان إلا وخرّب خلقه وأعمى بصيرته، ومنع عنه الوعي الروحي. الرجل والمرأة هما قطبا الإنسانية على وجه الأرض، ولولا التقبل والرضى والتواضع لفسدت الحياة بينهما. بعض الرجال يصيبهم الغرور، فرغم زواجهم بزوجات رائعات إلا أن الغرور يصيبهم فيبحث أحدهم عن أخرى، وبعض النساء يرفضن الرجال بسبب الغرور والمقارنة، والبعض تسوغ له نفسه الخيانة لأنه يرى أنه لا يحصل على ما يريده من الطرف الآخر. هذه الخطيئة وهذا الانخداع هو الغرور بعينه، فالغرور لا ينشأ إلا حيث تكون النفس الشقية موجودة، والنفس الشقية لا تظهر إلا في بيئة مليئة بالشهوات والأهواء. الإنسان المغرور إنسان بلا وعي، فهو لا يرى الاستحقاق إلا له، وينظر إلى ما عند غيره ويراه حقاً يجب استرداده، وهو لا يقر بأحقية الحياة إلا له وحده، ويحسد غيره ويتمنى زوال النعمة عنه. كم من الناس غرهم المنصب، وكم من الناس غرهم المال، وكم من الناس غرهم الحسب والنسب، وكم من الرجال غرتهم القوة، وكم من النساء غرر بهن الشيطان في أشكالهن وجمالهن! فهل يدرك هؤلاء أنهم في جاهلية؟ وهل يدرك هؤلاء أنهم ينتهجون نهج الشيطان حين خرج عن أمر ربه، وقال جملة واحدة «أنا خيرٌ منه»؟ إن الإنسان لا يدرك مغبة أقواله وأفعاله الناتجة عن كلمات يختزنها عقله الباطن، والتي سبق أن خزنتها النفس الشقية فيه، لا يدرك أن كلمة واحدة بها شيء من الغرور قد تلقي به في نار جهنم سبعين خريفاً، ولا يدرك أن كلمة قالها إبليس جعلته في الدرك الأسفل، فهو قد تحدى ربه في غرور وقال لأغوينهم أجمعين، هذه هي النفس وهذا هو الغرور الذي تتوق إليه النفس الخبيثة. الغرور نهج شيطاني يبعد المرء عن إنسانيته وعن فطرته، ويجعله أقرب إلى أن يكون شيطان إنس، فالغرور فعل الشيطان واسم الشيطان وحياة الشيطان، فهو يرى نفسه أفضل من آدم وأبناء آدم. فهل تحب أيها الإنسان أن تكون من أبناء الشيطان وتتبع عمله الذي لن يقودك إلا إلى الهلاك؟ فكِّر في كل قول وفعل، ولا تكن من الذين غرتهم الحياة الدنيا. قال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ).