الخميس - 16 مايو 2024
الخميس - 16 مايو 2024

الشك .. برزخية الإيجاب والسلب

فليتأمل الإنسان جماليات الكون ليدرك لا متناهية الدقة والإبداع، إذاً ابتدع تجسيدية تعبيريته عن محيط وجوده بالرسم، الكلمة، الموسقى، والرقص. استأنس واقعه الاجتماعي مستنداً على الثنائية الوجودية البشرية «الذكر والأنثى»،فكون ذلك الأرث الفكري التراكمي للذاكرة الإنسانية الواحدة، وسيطر بالتالي على توازنه، بيد أن طبيعة الإنسان المعقدة جعلته يتشكك في مكنون تلك الحقيقة «أنطولوجياً، إبستمولوجياً، وكوزمولوجياً» أي وجودياً، ضمن تسوير المعرفة، والقيم. لذا، يمكن أن نعتبر الشك محصلة التأمل الثانية لسلسلة القلق والخوف من الطبيعة والموت والصراع مما نتج من تفكير ينادي بضرورة وجود خالق لهذا الكون المنظم من خلال التعددية لفكرة الخالق لتعدد الاثنيات والأعراق والجنسيات، فظهرت الأساطير، الأديان الوضعية، الفلسفات، والأديان السماوية، ومن ثم استحدثت المدارس والمذاهب الفلسفية «الحسية والعقلية والحدسية»، وإضافة الأديان السماوية للوحي كمصدر للمعرفة، فتولد المذهبان. المذهبي في مدلوله، هو أن يكون الشك غاية في ذاته ،فلا يسلم بشيء «الهدام». ويعتبر بيرون (360-270) ق.م، وهو فيلسوف يوناني أسس النزعة الشكية ومذهب الشك، وهي حركة فلسفية عند الإغريق (اليونان القدماء). وكانت هذه الآراء تنبنى على قواعد رئيسة يتسنمها: أن الحقيقة لا يمكن الوصول إليها، وأن الرجل العاقل يرجئ حكمه، ويبحث عن الطمأنينة لا عن الحقيقة؛ وأنه لما كانت كل النظريات خاطئة في أغلب الظن، فإن من الخير للإنسان أن يقبل أساطير زمانه ومكانه وما جرى به العرف فيهما. وثانيها أن ليس في مقدور الحواس والعقل أن تمدنا بعلم أكيد: فالحواس تشوه الشيء الخارجي حين تحسه، وليس العقل إلا خادم الشهوات المخالط المخادع. والمنهجي في فحواه، من منطلق الجهل والصدق في طلب الحقيقة للوصول إلى اليقين، وهو شكل من أشكال البحث والتساؤل، عبرت عنه قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام في محورين. الأول: عندما رأى كوكباً فقال هذا ربي ثم كره أفوله لما رأى القمر فقال هذا ربي فأفل، ثم رأى الشمس، ليؤكد أن الهداية ماهي إلا توفيق من الله سبحانه وتعالى لنبعد عن فكرة الجبر والاختبار، فالإيمان والكفر أمور اختيارية توفيقية. الثاني: الاطمئنان عندما طلب من الله تعالى أن يريه كيفية إحياء الموتى «أولم تؤمن» قال «بلى» ولكن ما أريده هو الاطمئنان. ووجد هذا المنهج أبو حامد محمد الغزالي 450-505ه - 1058-1111م فقد رأى أن الشكوك هي الموصلة للحقائق، فمن لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بات في العمى والضلال، في كتابه « ميزان العمل» وفي كتابه «المنقذ من الضلال» أن الحواس تخدعنا، وأن المعارف الحسية بناء على ذلك عارية من اليقين. فقد توصل إلى اليقين عن طريق نور إلهي قذفه الله تعالى في قلبه. كما وجد عن الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت 1596-1650م في كتابه «المقال عن المنهج» بحث عن الحقيقة، فتشكك في الحواس والعقل وأدرك أن هنالك حقيقة لايمكن إنكارها فهي حقيقة الذات المفكرة فقال «أنا أفكر أذاً أنا موجود» «الكوجيتو» فأثبت وجود الله ووجوده ثم وجود العالم. وعلى هذا فإن الشك مرحلة انتقالية فكرية في جانبها الإيجابي وتدميرية في جانبها السلبي. [email protected]