الأربعاء - 15 مايو 2024
الأربعاء - 15 مايو 2024

الجسد هنا والروح مسافرة

أغلب صور مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة هذه الأيام تجعلني وأمثالي حزينين ويائسين للغاية، حتى الوصول إلى درجة التفكير في الانتحار، فهم يتعمدون نشر صور الطبيعة الخلابة والأماكن التاريخية والترفيهية في مختلف دول العالم والأجواء الجميلة الماطرة حتى تحس فعلياً بأنك قابع في الوطن لم تسافر، وكأنهم يعاقبونك لعدم السفر، ولا تستطيع أبداً الرد عليهم، فأنت في أجواء طقس لو أخرجت رأسك من السيارة لاحترقت فروة رأسك من الحرارة العالية القاسية. ومهما كانت أسبابك ومسبباتك في عدم السفر فإنك ستكون موعوداً مع حالة الاحتقان هذه حتى موعد عودة الطيور المهاجرة إلى أعشاشها، وعندها فقط تتساوى الرؤوس وتشعر لحظتها بأنك مثل البشر، تعيش أيامك الطبيعية، ولن تنفعك حتى عودتهم مهما حاولت أغاني راشد الماجد وعبادي الجوهر. بل لو أتوك بميريام فارس لتغني أمامك فلن تغير إحساسك ولو لبرهة لحاجتك لتغيير الأجواء النفسية. إن مثل هذه الأجواء البائسة مجازاً فرصة لأمثالي لاغتنام خلو البلد من أهله أو أكثر من نصفهم والتجول والتسكع في المراكز التجارية والترفيهية والاحتماء من الشمس العالية بالأسواق المكيفة والاستفادة من بعض العروض الفندقية التي تأتي على استحياء لتعوض بعضاً من خسائر موسم الهجرة الخارجية. وفرصة أيضاً، وهو لب القصيد، للتفكير والتدبير والتخطيط للحياة بهدوء ودون إزعاج. إن الحياة لا تتوقف أبداً حتى في حال أردت أن توقفها أو وضعت نفسك خارج إطار الزمان والمكان بإصرارك على الشعور السلبي بعدم السفر. وأعرف أشخاصاً لا يستطيعون السفر لظروف مختلفة، لكنهم يستمتعون بكل دقيقة من أوقاتهم فالحياة جميلة متى ما تولد هذا الإحساس بجمالها رغم المسببات والظروف. إنني أكتب حالياً في مقهى صغير جداً في بقعة منزوية من أرض الوطن. وأكتب عن السفر والمسافرين للخارج، وبرغم وجودي داخل المقهى إلا أن روحي تسمو خارجه. فالروح لا تحدها عوائق ولا مسببات عن سعادتها، وأكتب الآن وأنا أتخيل أنني أمام بحيرة زيلامسي الجميلة، أجلس على كرسي خشبي جميل في أجواء غائمة أتأمل من حولي. فالكتابة بحد ذاتها سفر حقيقي لو أردنا ذلك حقاً وأحسسنا بذلك الإحساس الجميل.