السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

الإنسانية في مهب الريح

هل مازالت الإنسانية تعشعش في قلوب البشر؟ حين نرى الجثث المتراصة والأطفال اليتامى والأمهات الأرامل، وقتما تُمطر عيوننا من دمع الألم على وقع الصور الدامية، ونغسل وجوهنا من وقع الخذلان، نقف نشاهد حروب البشر في كل جبهة، تصريحات من هنا وأخبار الدم تتوالى، نتساءل إن بقي في قلب العالم عروق تنبض بالطيبة؟ ليس الخطر في ارتكاب الجرائم، ولكن في التعود عليها. الإنسانية لا تعني المذهب، ولا الدين، ولا النسب أو القرابة، لا تقف عند مسافات. الإنسانية جامعة البشر كما هم، يتعرّون من فروقاتهم، تتشابك أياديهم نصرة للخير، فمشهد الطفل الباكي يُفزع النفس وإن كان دينه غير ديني. إن الخطر الحقيقي حين نحاسب أفعال البشر طبقاً لمذاهبهم، ونتعاطف مع القضايا وفقاً للعصبيات الجاهلية، فأصبحت المسميات تكثر في عصرنا الحالي، كل منهم ينحر الآخر بمسمى نصرة المذهب أو الدين، وفي الآخر لا يعلم كل هؤلاء أن ذلك ما هو إلا تفتيت، وتمزيق لوحدة الأرض، وقبل ذلك كله وحدة أصل البشر. علينا أن نحيي من جديد حمامة السلام التي طارت مرتعبة من هول المناظر في مختلف المناطق بعالمنا، نُشعل الشمعة في وجه الظلام، ونتذكر سير الأنبياء، والصحابة في تعاملهم مع الناس، نذكّر كل من حولنا ممن امتزجت في عقلهم الأفكار، وأصبحوا ما بين هذا وذاك في ظل سيل الأخبار الممتد، ثقافة «الدم» يجب أن تُمسح في قواميس البشر، ليحل محلها أسلوب السلام والتنوير. المشكلة الحقيقية اليوم في من يؤجج النعرات الطائفية، فيقابله طائفي آخر فيرد عليه بالمثل، وهنا البداية لكل مجزرة قد حدثت أو ستحدث. هُناك من لا هم له إلا رؤية البشر وهم يقاتلون بعضهم بعضاً، حين تتحول أعداد القتلى إلى مجرد إحصاءات تُكتب في عناوين الصحف، وتُصبح صور الموتى مقدمات لنشرات الأخبار، فحتماً هناك معضلة حقيقية في فهم الإنسانية. وفي تقدير ماذا يعني أن يموت شخص في صراع، وفي التمعن في موت المئات والآلاف في شتى أنحاء العالم. أخشى أن تكون الإنسانية قد أصابها التجمد بسبب الرؤية المستمرة لكل هذه المناظر البشعة، لكي لا تتجمّد، يجب أن تبقى أنوارها مشتعلة على الدوام، لتستنير منها القلوب، فالإنسانية كأعمدة النور ترشد البشر إلى أماكن الطهر، وتُريهم مكامن النقاء.