السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

متعدد هواتف

أتساءل أحياناً عن العبرة من حمل أحدهم عدة هواتف قد تصل للأربعة، يضعهم كأطفاله الصغار، يصفهم في الطاولة، ويرينا بكل غرور الأنواع المتعددة التي يمتلكها. «الحبيب» عندما تراه تتوقع ذلك السيل الممتد من الاتصالات حول أمور التجارة أو الاقتصاد، أو ربما تظن بأنه مهم فتصله أخبار الساسة، ولكنك تنظر له بكل استغراب وهو يقول: هاتف مخصص للأهل، وآخر للأصدقاء، وثالث للعمل، ورابع للحاجة. هذا الهوس الذي يجعل مواقع التواصل الاجتماعي، تهتف باسم شركات التقنية الحديثة وقتما تُعلن عن منتجاتها، ويصل الأمر إلى صراع مُحتدم في النقاش، وتعصب من نوع آخر، تعصب قد ينتهي فيه المطاف لخصومة لمجرد أنك لا تنتمي للتيار الذي يفضل أحد الهواتف على سواها، أحدهم قال لي بصراحة (لا أعتقد أنني سأبعث بصوتي للجماهير حتى أشتري تحديثات صوتية، ولن أخرج فيلماً بهاتف لأكون شغوفاً بنقاوة الصورة، خبراء الهواتف من الآخر «يتفلسفون»). ذات الصديق، شارك لاحقاً في حملة الرسائل التي تدعو لإهداء هاتف للصديق أو للحبيب! وكأن علاقاتنا البشرية ترتبط بالهدايا المغلفة، أو بقيمها المادية، فنفضل فلاناً لأنه كريم في مفاجآته، ونبعد آخر عن حياتنا لمجرد اكتفائه بالكلمات الرقيقة دون النظر إلى الأشياء المادية، ليست العلاقات الإنسانية فقط بل هناك ظاهرة بأننا نقلد دون أن نعي ما نمتلكه نحن، فنشتري ونحن بين أيدينا مُنتج مازال بريقه يلمع من حداثته، ونذهب للتسوق ولا نعلم بالضبط أي الأسباب دفعتنا للشراء. اليوم يوجد من يشعر بالنقص لأنه يستخدم ما أُصدر قبل ستة شهور، ولا يزول هذا الشعور إلا بالمسارعة بشراء الجديد، ولو تمعنا جيداً في مشترياتنا، وفي خزائن ملابسنا، في كل بقعة من غرفنا، لوجدنا دون مبالغة أن نصف الأشياء لم تكن ضرورية للشراء، ونتعجب من أنفسنا كيف اشترينا كل هذا. القناعة تمتد لتشمل أمور الحياة، فقناعة ما تملكه من مشتريات ينعكس على قناعة دواخل قلبك. لا بأس في أن نجدد مقتنياتنا بين كل فترة، ولكن على هذا التجديد ألا يكون على حساب الواقعية التي تحتم علينا الصرف في الموضع الصحيح، وبالطريقة الصحيحة، حتى لا نقع في فخ التبذير. أخيراً «انسوا هالكلام»، هذا الكاتب لا يرفض الهدية، ولا بأس في هاتف آخر صيحة. [email protected]