السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

الفكر البيئي في المشاريع الوطنية .. الإمارات نموذجاً

الفكر البيئي قيمة حضارية متأصلة في الموروث الإنساني، وبنيت ثوابت مقوماته القيمية في سياق مسيرة التطور الحضاري للإنسانية وتأسست مفاهيمه ضمن واقع علاقة المجتمعات البشرية المعيشية بالأرض، التي جعلته يدرك ضرورة تعمير محيطه البيئي والحفاظ على توازن نظامه الطبيعي، وما تطلبه ذلك من حرص الجماعات البشرية في العمل على صون الثروة النباتية والأحيائية، البرية والبحرية، للحفاظ على مصدر معيشي آمن لحياتها وصون بقائها على البسيطة. التاريخ الإنساني يسجل مواقف ذات قيمة حضارية للعديد من القادة التاريخيين للأمم والشعوب والجماعات البشرية، تتمثل في ما جرى اتخاذه من إجراءات مؤسسة في أهدافها؛ للحد من إمكانية تدهور الثروات الطبيعية والأحيائية، حيث عمد العديد من القيادات قبل التاريخ الميلادي إلى حظر الصيد الجائر للأحياء البرية والبحرية، ومنع الاستغلال غير الرشيد للأرض وغطائها النباتي، وتبني منظومة من المبادئ والمحددات الإجرائية، القانونية والإدارية، التي جرى بموجبها اعتماد نظام الحمى والقواعد العقابية على الأنشطة غير الرشيدة، التي تتسبب في تدهور البيئات الطبيعية. مبادئ وقيم الموروث الإنساني للفكر البيئي، أكدت حضورها في المشاريع البيئية المعاصرة وجرى تجسيد قيمه في المشروع الدولي البيئي ضمن منظومة مبادئ وقواعد الاتفاقيات والمواثيق البيئية، والتي منها على سبيل المثال الاتفاقية الدولية لصون التنوع البيولوجي، والاتفاقيات الدولية للبحار، وقمم الأرض العالمية في ستكهولوم 1972، وريودي جانيرو 1992، وجوهانسبرغ 2002، وريودي جانيرو 2012، ويجري تجسيده أيضاً في المشروع الإقليمي البيئي، ويمكن تبيّن محددات مبادئ ذلك القانونية والإدارية في اتفاقية الكويت الإقليمية لحماية البيئة البحرية والمناطق الساحلية للعام 1978 والبروتوكولات المكملة لها، واتفاقية المحافظة على الحياة الفطرية ومواطنها الطبيعية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. محددات ثوابت مبادئ وقيم الموروث الإنساني للفكر البيئي، يمكن تبينها أيضاً في جوهر المشاريع الوطنية للبيئة، وتتمثل في مفاصل أهداف التشريعات والخطط والاستراتيجيات البيئية للدول، وذلك النهج تبنته دول مجلس التعاون الخليجي التي سعت إلى التجسيد الفعلي لقيم الفكر البيئي في مشاريعها التنموية والعمل على إصدار التشريعات واعتماد الاستراتيجيات التي تعنى بقضايا حماية البيئة وتنميتها. دولة الإمارات العربية المتحدة في سياق التوجه الممنهج لتفعيل مفاصل المبادئ والقيم البيئية عمدت إلى إقرار الاستراتيجية الوطنية للبيئة، وإصدار القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة وتنميتها، وحددت أهدافه الرئيسة في حماية البيئة والحفاظ على تنوعها وتوازنها الطبيعي، وتنمية الموارد الطبيعية والحفاظ على التنوع الحيوي في إقليم الدولة، واستغلاله الاستغلال الأمثل لمصلحة الأجيال الحاضرة والمقبلة، وحماية المجتمع وصحة الإنسان والكائنات الحية الأخرى، من جميع الأنشطة والأفعال المضرة بيئياً، أو التي تعيق الاستخدام المشروع للوسط البيئي، والتشديد على مكافحة التلوث بأشكاله المختلفة، وتجنب أية أضرار أو آثار سلبية فورية أو بعيدة المدى، نتيجة لخطط وبرامج التنمية الاقتصادية والزراعية أو الصناعية أو العمرانية أو غيرها من البرامج التي تهدف إلى تحسين مستوى الحياة، والتأكيد على تنفيذ التزامات المشروع الدولي البيئي. الحكم الرشيد ومبادئ العلاقة الموزونة مع معالم النظام البيئي كمقوم محوري في مضامين الفكر البيئي، يشكل جوهر مفاصل القرارات السيادية ضمن أولويات المشروع البيئي للإمارات، المدعوم برعاية القيادة السياسية، وهو النهج الذي وضع ثوابته المنهجية المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وتحصينه بسياج فكري متين يرتكز على ثوابت مقومات الموروث الفكري البيئي العربي والإسلامي المحاط بمنظومة من المبادئ والضمانات القانونية والإدارية المؤسسة في بعديها الإنساني والاستراتيجي، وذلك النهج صار ركيزة منهجية في منظومة الخطط التنموية حيث يجري التأكيد على ضرورة الالتزام بالاشتراطات والمعايير البيئية في تنفيذ المشاريع التنموية والعمرانية. الثوابت المحددة لقيم مبادئ الفكر البيئي، تتجسد في الرؤية التنموية التي يتبناها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويمكن تبين ذلك في توجيهات سموه في إطار تنفيذ المشاريع والمرافق الخدمية لتطوير منطقة وادي الحلو، حيث يوجه بضرورة مراعاة عدم الإضرار بالبيئة الطبيعية المحيطة، وأن تحقق تلك المشاريع التكامل مع تضاريس المنطقة، والتوجيه بالعمل على نقل سكان منطقة الزبيدة في الذيد لمنطقة قريبة، لا تصلها الملوثات المنبعثة من المصانع المتاخمة لها. [email protected]