السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

عيد الأضحى .. المعنى الحضاري

عيد الأضحى تقليد ذو قيمة اجتماعية، ومناسبة تجسد في جوهر مضامينها معاني البعد الإنساني والحضاري، توارثته الأجيال على مدى قرون، وأحاطته بطقوس مفاهيم القيم الأخلاقية والمبادئ النبيلة التي نشأ على أساسها هذا الحدث الديني، بأبعاده التاريخية والإنسانية والحضارية. وتتوسط فعاليات الأضحى قيم التآخي والمحبة وتعضيد صلة الرحم، وتعزيز مقومات التعاون، والتقارب بين مكونات المجتمع بمختلف أطيافه، وانتماءات مكونه الاجتماعي. وتشهد البلاد الإسلامية في مظاهر إحياء مناسبة الأضحى احتفالات متنوعة، وعلى الرغم من الاختلاف في المظاهر الاحتفالية بين بلد وآخر، إلا أنها متوافقة في جوهر معانيها الاجتماعية وبعديها الإنساني والحضاري. البعد الإنساني أحد المقومات الرئيسة التي تميز مظاهر الاحتفال بعيد الأضحى، حيث تشهد فعالياته مظاهر متداخلة في مكونها الإنساني، وتتمثل ثوابت ذلك في مجالس الصلح التي يجري عقدها ضمن مراسم الاحتفال بالعيد وفق التقاليد الاجتماعية المتوارثة في بعض القرى والبلدات، في عدد من المناطق التي تحكمها الأعراف القبلية في بلادنا الإسلامية، وتبرز في سياق ذلك مبادرات قيمة في بعدها الاجتماعي والإنساني، تسهم في حل المشكلات العالقة بين الأفراد والأسر، ولمّ شمل الأسر المتخاصمة، كما تتفاعل في مراسم الاحتفال بالعيد مظاهر تقديم المساعدات الإنسانية إلى الأسر الفقيرة. ذلك ما عملت على تأكيد واقعه هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، ضمن المبادرة التي استفاد منها عدد من الأسر الفلسطينية، وجرت الإشارة إليها في صحيفة الخليج الإماراتية، الصادرة بتاريخ الأربعاء 7 أكتوبر 2014، والتي أكدت أنه «بالتعاون مع الجمعيات الخيرية والمراكز واللجان المعنية، جرى توزيع مئات الأضاحي على الأسر المتعففة، في العديد من المخيمات والمدن والقرى في مختلف المناطق الفلسطينية، وبلغ إجمالي الأسر المستفيدة من البرنامج ما يقارب 700 أسرة». وفي ذات السياق جرى في مدينة أبوظبي تقديم عدد من الأضاحي «للمتعففين، وصل إلى 4 آلاف و300 أضحية، وزعت على الأسر المعوزة من مختلف الجنسيات في أبوظبي، والتي شملت الأرامل وكبار السن والعائلات الفقيرة». البعد الاجتماعي يمثل أيضاً ظاهرة بارزة في الاحتفال بالعيد، ويتجسد في الأعراف والتقاليد المتوارثة المتمثلة في مظاهر التواصل بين مختلف الأسر والمكون المجتمعي، حيث تشهد فعاليات الاحتفال بالعيد مظاهر تبادل الزيارات، وتنشيط اللقاءات، وتبادل التحايا في المجالس التقليدية والشعبية، وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وتلك ظاهرة مجتمعية تسهم بشكل تفاعلي في القضاء على مظاهر الفرقة وتعزيز الوحدة والسلم المجتمعيين. البعد البيئي مؤشر ذو دلالة ضمن المناشط المتنوعة في الاحتفال بالعيد، حيث تشكل معالم البيئات الطبيعية الحاضن الرئيس لتلك الأنشطة، كمحطة رئيسة للراحة والاستجمام والاستمتاع بممارسة المناشط الترفية، ويمكن مشاهدة حشود من البشر تجمعها الروابط الأسرية والصداقة، وهي تزحف في زرافات إلى المناطق البرية والساحلية، وتبرز في سياق ذلك جوانب الاختلاف في ثقافة العلاقة مع معالم البيئات الطبيعية، حيث تشهد الممارسات التي تدلل على الوعي المجتمعي على الحفاظ على نظافة المحيط البيئي وصون معالمه، ويقابل ذلك الممارسات غير الرشيدة التي تتسبب في تلويث المحيط البيئي وتدمير مكون نظامه الطبيعي. وللبعد البيئي جوانبه المهمة أيضاً في توجيه الرسائل البيئية المؤسسة في مقاصدها ضمن مناشط الاحتفال بالعيد، وتتمثل في السعي لإنجاز أهداف نشر الثقافة البيئية بين فئات وقطاعات المجتمع، والعمل على تحفيز اهتمام الجهات المختصة والمعنية بإعادة تأهيل وتطوير موقع بيئي محدد، يجري استهدافه من خلال تنظيم فعاليات الاحتفال بالعيد، وتلك وسيلة عادة ما تعتمدها المؤسسات المجتمعية والبيئية. الاحتفال بعيد الأضحى هذا العام مر بظروف قاسية المشاهد غير الإنسانية، التي تجسد في مكونها غير الأخلاقي ثقافة الجريمة والجهل بمبادئ وقيم موروثنا الديني والحضاري المرتكزة على قيم التسامح ومبادئ الفضيلة الإنسانية، وهي بالتأكيد ثقافة بعيدة في مظاهرها وممارساتها عن المسار التاريخي والحضاري والقيم الأخلاقية التي تميزت بها المراسم الاحتفالية بعيد الأضحى، وهي ظاهرة شاذة وغير قادرة بالتأكيد على حجب قيم التسامح المتأصلة في موروثنا الحضاري. زبدة القول، الأضحى ليس مناسبة للاحتفال وحسب، بل هو معنى عميق للمفاهيم الإنسانية، إنه معنى للمحبة والتآخي والسلم الاجتماعي، الذي به نرتقي إلى القيم السامية، وتجريف منابع فكر التطرف والإرهاب والفرقة والشقاق، وتكريس ظواهر التسامح والوحدة المجتمعية، إنه القيمة التي ينبغي الحرص على أن تكون مبادئها وقيمها مقومة في بنية ثقافتنا ومفاهيم علاقتنا وتعاملنا مع الآخر. [email protected]