السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

العقوبة في القانون البيئي الإماراتي

العقوبة مفصل مهم في آلية القانون البيئي، وأداة محورية في مكافحة نشاطات التعدي على البيئات الطبيعية للمنظومة البيئية، وقمع الممارسات غير الرشيدة التي تتسبب في تدهور معالم البيئة والإخلال بالتوازن الطبيعي للنظام البيئي. والعقوبة كمنهج قانوني متداخلة في أدواتها ووسائلها القانونية والإدارية ترتكز في منظومة قواعدها وإجراءاتها القانونية على مبدأ التحذير والزجر والردع وفرض المخالفات المادية ومصادرة الأدوات التي تستخدم في المخالفة والمنع من ممارسة النشاط الاقتصادي والإنتاجي والتنموي وحجز حرية الفرد المخالف. وتأخذ قوانين الدول جميعها بمبدأ العقوبة القانونية ضمن منظومة قرارها البيئي، ويجري التأكيد على ضروراتها في المشروع الدولي البيئي وتحديد منهجيات فعلها القانوني في منظومة قواعد الاتفاقيات الدولية بشأن البيئة، وخصوصاً تلك التي تعالج موضوع التعويض عن الأضرار البيئية وإعادة تأهيل معالم النظام البيئي. ونظراً لتصاعد وتيرة مخاطر الأضرار البيئية وتعرض نظم البيئات الطبيعية في العديد من الدول إلى نشاطات خطيرة من قبل العصابات الدولية المحترفة في نقل وطمر النفايات النووية والخطيرة في أراضي الدول ومياهها الإقليمية، فإن عدداً من الدول تبنت مبدأ تشديد العقوبة القانونية ضمن قواعد قوانينها البيئية والجنائية للتمكن من قمع حالات الجرائم البيئية الخطيرة التي تتسبب في حدوث أضرار شاملة للإنسان والبيئة والإخلال بالأمن البيئي للدول. دولة الإمارات العربية المتحدة وتجسيداً لنهجها الإستراتيجي في مواكبة تطور الفقه الدولي البيئي واﻻرتقاء بمنظومة قواعدها التشريعية في شأن صون معالم نظامها البيئي، أصدرت في 17 أكتوبر 1999 القانون رقم 24 بشأن حماية البيئة وتنميتها، ويمثل القانون ضمانة قانونية لتأكيد الالتزام بقواعد المشروع الدولي البيئي، ذلك ما يجري التأكيد عليه ضمن محور الأهداف والأسس العامة التي يحددها القانون وتجري في المادة «2/ بند6» الإشارة إلى الحرص على «تنفيذ الالتزامات التي تنظمها الاتفاقيات الدولية أو الإقليمية المتعلقة بحماية البيئة ومكافحة التلوث والمحافظة على الموارد الطبيعية التي تصادق عليها أو تنضم إليها الدولة»، وحرص المشرِّع الإماراتي على أن يضمن القانون باباً خاصاً يعالج قضايا العقوبات المترتبة على مخالفة قواعده وأحكامه، وتشدد مواده على فرض عقوبة السجن والغرامة المالية وإلزام المخالف لأحكام القانون بإعادة تصدير النفايات الخطرة والنووية محل الجريمة على نفقته الخاصة. المشرع الإماراتي آخذاً في الاعتبار الظروف الموضوعية لواقع الأنشطة والممارسات غير الرشيدة ومؤشرات تصاعد وتيرة حالات التعدي على مكونات البيئة وبروز الجريمة البيئية تبنى مبدأ تشديد العقوبة على الأنشطة المخالفة لأحكام القانون وذلك ما يجري النص بشأنه في المادة 87 من القانون التي تؤكد على أنه «لا يُخلُّ تطبيق العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون بأية عقوبات أشد ينص عليها قانون آخر»، وتشدد المادة 88 على أنه «تضاعف العقوبات المقررة للجرائم المنصوص عليها في هذا القانون في حالة العودة». الجرائم البيئية المتواترة في آثارها السلبية والمختلفة في مكونها الإجرامي ومخاطرها على الأمن الوطني دفعت المشرع الإماراتي إلى تبني مبدأ التصدي الاستباقي في مواجهة قمع احتمالات وقوع الجريمة البيئية بالعمل على رفع مستوى العقوبة إلى أقصى مستواها المعمول به في القانون، وعمل في سياق ذلك على استباق الأحكام سابقة الذكر بشأن العقوبات القانونية على الجرائم البيئية بالنص في المادة 73 من القانون على أنه «تكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن مليون درهم ولا تزيد على عشرة ملايين درهم لكل من خالف حكم المادة 62/ بند2 من القانون»، ويحظر البند الثاني من المادة المذكورة على أية جهة عامة أو خاصة أو أي شخص طبيعي أو اعتباري «استيراد أو جلب المواد أو النفايات النووية أو دفنها أو إغراقها أو تخزينها أو التخلص منها بأي شكل في بيئة الدولة». القانون يحدد منظومة من القواعد والأحكام التي يمكن أن تشكل قوة فعلية في مكافحة حالات التعدي على معالم النظام البيئي وقمع الجرائم البيئية، وعلى الرغم من أن الجهل بالقانون لا يحمي المخالف من العقاب إلا أننا نرى أن ضرورة تنفيذ الخطط الموجهة في أهدافها لنشر الثقافة القانونية وتنمية الوعي الاجتماعي بمحددات قواعد القانون البيئي إلى جانب تطوير آلية الرقابة البيئية ووسائل مكافحة الجريمة البيئية مطلب إستراتيجي لإنجاز أهداف تفعيل أحكام القانون. [email protected]