السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

البعد الإنساني للمشروع البيئي .. الإمارات نموذجاً

الإنسان منذ الأزل يشكل محور الإجراءات التي اتخذتها الجماعات البشرية للحفاظ على الموارد البيئية، وحماية معالم نظام محيطها البيئي لضمان بقائها على البسيطة، وتشير الثوابت التاريخية إلى حقائق التوجه العاقل في بناء نهج السلوك الإنساني الرشيد في اﻻستثمار الموزون للموارد البيئية، والعمل على إعمار وتأهيل الأرض لضمان استدامة الموارد البيئية كمصدر معيشي وحياتي يؤمن مقومات بقائها، ويضمن توفير متطلبات أمنها المعيشي، وتعزز في سياق ذلك التوجه السلوك البشري المحاط بالقيم والتقاليد والأعراف التي بناها الإنسان في إطار علاقته التاريخية مع محيطه البيئي، وصارت تلك المحددات ذات قيمة في مفاهيم وتقاليد السلوك الاجتماعي، وتتساوى تلك المفاهيم والقيم في مضمون جوهر آلية إجراءاتها بالنظام القانوني والإداري الحديث الذي ينظم بموجبه العلاقة مع معالم المحيط البيئي للإنسان. الحقائق التاريخية لمسيرة تطور المجتمعات البشرية تشير إلى الممارسات والأنشطة الإنسانية الموجهة للحد ومنع أنشطة اﻻستغلال غير الرشيد للموارد الطبيعية إلى جانب تعزز ثقافة استغلال الموارد حسب الحاجة والقناعة في عدم جمع ثمار الأرض بما يزيد على مستوى الحاجة، وتعزيزاً لذلك النهج عملت الجماعات البشرية على اعتماد نظام الحمى، ونظام راحة الأرض للحفاظ على استدامة الموارد واستمرار بقاء الجماعة البشرية. المنهج الذي اعتمدته الجماعات البشرية في العلاقة مع الموارد البيئية ضمن المسار التاريخي لتطورها الحضاري أكد حضوره في نشاطات الجماعة الدولية في صياغة المبادئ والمقاييس البيئية، ووضع الأسس والموجهات والالتزامات القانونية والإدارية التي تعنى بتنظيم العلاقة البشرية مع النظام البيئي، والحد من التعدي على معالمه وصون توازنه الطبيعي. وجاء ذلك التوجه في مراحل سابقة لبدء النشاط الدولي البيئي قبل قيام عصبة الأمم، وذلك نتيجة الشعور المتزايد بخطر التدهور المتصاعد وآثاره في نظام البيئة العالمي، بسبب الفساد البيئي واﻻستغلال البشري غير الرشيد، وشيوع المفاهيم غير المتوازنة في العلاقة مع نظم البيئات الطبيعية. المجتمع الدولي إدراكاً للمخاطر التي اتخذت منعطفاً سلبياً تصاعدياً في النصف الأول من القرن الماضي نتيجة الحروب الكونية والضغوطات المتزايدة على الموارد الطبيعة، وتدهور مكونات نظم البيئة العالمية، لم يكتفِ بالتوقيع على اﻻتفاقيات البيئية، وحرص إلى جانب ذلك على عقد قمم الأرض العالمية التي أسس بداياتها مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة البشرية المنعقد في ستوكهولم 1972، وألحقها بشبكة من المؤتمرات المتداخلة في منظومة قراراتها ومؤسسات مبادئها ارتكزت في جوهر مضمونها على البعد الإنساني في معالجة المشكلات البيئية، وتمثلت بقمة الأرض بشأن البيئة والتنمية المنعقدة في ريو دي جانيرو بالبرازيل 1992، ومؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة المنعقدة في جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا 2002 ومؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20) 2012. الحراك البيئي العالمي يشكل قوة دفع فعلية في تبني المشاريع البيئية الوطنية المرتكزة على البعد الإنساني في معالجة القضايا البيئية. وأكد ذلك النهج حضوره المتميز في المشروع البيئي الإماراتي الذي وضع بنيته الرئيسة المغفور له، بإذن الله، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وتمثل في تبني خطط العمل المؤسسة والموجهة لصون التنوع الحيوي في بيئات المناطق البرية، وحماية الأنواع المهددة بالانقراض مثل المها العربية، والطهر العربي، وإقامة المحميات الطبيعية، وتوفير المتطلبات البيئية والمعيشية للمجتمعات المحلية في المناطق البرية، والعمل على تشييد البنى المؤسسية المرتكزة على المعايير الدولية لإدارة عمليات حماية البيئة وتنميتها. المشروع البيئي الإماراتي بالارتكاز على المبادئ الإنسانية لمدرسة زايد البيئية تبنى خطة عمل ممنهجة في آلياتها التنفيذية، تمثلت في إقرار الاستراتيجية الوطنية للبيئة التي حددت مفاصل أوجه المشروع الإماراتي البيئي المرتكز على المبادئ الإنسانية في إدارة المشاريع التنموية، وإنجاز أهداف التنمية المستدامة المتمثلة في التنمية اﻻجتماعية والتنمية اﻻقتصادية وحماية البيئة. القانون الاتحادي رقم 24 لسنة 1999 في شأن حماية البيئة، وتنميتها يشكل محور المشروع البيئي الإماراتي، وضمانة إنجاز الأهداف الاستراتيجية لبناء منظومة الأمن البيئي لمجتمع الإمارات، وتأكيد البعد الإنساني للتنمية في الإمارات التي تراعي المصالح العليا للمجتمع، ذلك ما يجري التأكيد على ثوابته في محور الأهداف والأسس العامة، وعلى وجه الخصوص في المادة 2 بند/4 من القانون التي تؤكد على «حماية المجتمع وصحة الإنسان من جميع الأنشطة المضرة بيئياً»، وكذلك في منظومة القواعد والمبادئ المؤسسة للقانون. [email protected]