السبت - 18 مايو 2024
السبت - 18 مايو 2024

القوى الظلامية والأمن الإنساني

الفتن الاجتماعية المتصاعدة وتائرها في العديد من البلدان في العالمين العربي والإسلامي أوجدت جملة من المخاطر المتداخلة في تأثيراتها السلبية على الأمن الإنساني والوطني، ويشير ذلك الواقع إلى ضرورة القراءة المتمعنة لمصادر ومكونات ومقاصد الأحداث التي جعلت من الفتن اﻻجتماعية ثقافة مقبولة في مفاهيم وممارسات قطاع واسع من المجتمع متنوع المسؤوليات والمستويات التعليمية والانتماءات الفكرية والمذهبية في مجتمعنا العربي. إن ما هو أكثر خطراً على واقعنا تهتك البنية المفاهمية للمجتمع في إدارة الحوار ومعالجة بواطن الاختلاف وذلك يجعلنا نتحول من حالة الاختلاف في الرأي إلى حالة الخلاف، ونحن في هذه المعركة المصيرية والخطيرة على الأمن الوطني لبلداننا نواجه جيشاً من الجهلة يرون في ذاتهم أنهم أصحاب فكر ومعرفة ويتحفوننا بأسفه الأقوال والرؤى غير الموزونة وغير العاقلة. وإن ما هو أكثر خطراً في ذلك أن تجد هذه الفئة من يناصرها في قولها وفعلها، لذلك نجد ما هو مشهود من مآسي التفتت المجتمعي وبرك الدم التي أنتجتها الأفكار الظلامية والجاهلة بحقائق التاريخ. القوى الظلامية بمختلف تكويناتها وانتماءاتها سبب رئيس في بروز الفتن اﻻجتماعية والتشظي المجتمعي وتهتك كيانات الأمة المفاهيمي والقيمي، وإن النشاط الفكري المتطرف المغلف بالمفاهيم الفكرية غير السوية والمشحون بأنماط المفاهيم الظلامية الخطيرة على البنية الاجتماعية والأمن الإنساني والوطني الذي تنتهجه حفنة محدودة من المجتمع والتي تعيش واقعاً منفصلاً عن المنظومة القيمية والحضارية للثقافة الإنسانية، تسببت في ما هو ماثل أمامنا في مسرح الأحداث من مآس إنسانية ودمار شامل لمنظومتنا المجتمعية بسبب النهج الدموي والظلامي الذي تبنته هذه القوى، وجعل عمليات القتل الجماعي لفئات المكون المجتمعي وأعلام الفكر والمثقفين والكوادر العلمية والفئة المتعلمة هدفاً رئيساً لنشاطها الدموي والإرهابي. إن انهيار المنظومة المجتمعية نتيجة فعلية لتفشي ظاهرة الفتن اﻻجتماعية، وتمثل تلك الحالة منعطفاً خطيراً، فالمواقف المغلوطة على اختلاف مضامينها ومصادرها تغذي وتوفر الطريق الميسر في التأثير السلبي على قطاع الشباب وحرفهم وجرهم إلى مواقف ﻻ يدركون مخاطرها الشخصية وأبعادها السلبية على المنظومة الأسرية والاجتماعية واﻷمن الوطني. وظاهرة اﻹرهاب المتصاعدة وتائرها التدميرية والتي تشهد بلداننا أقسى مشاهدها الخطيرة في مسارات توجهاتها التي اتسمت مظاهرها بالوحشية وتجاوز القيم والمبادئ اﻷخلاقية التي بنتها اﻷمة في إطار المسيرة التاريخية لتطورها الحضاري، تشكل أحد اﻹفرازات الخطيرة للفتنة الاجتماعية المستعر وهج حريقها في بلداننا. إن ما يؤسف له أن الجماعات الموجهة لتلك الظاهرة صار لها سلطانها وخطابها المؤثر على قطاع واسع في مجتمعنا العربي، وبفعل المواقف الداعمة لنشاطها التخريبي والطريقة المطلية بالعسل المسموم التي جرى استخدامها في نشر منطلقات فكرها اﻹرهابي تمكنت من احتواء قطاع واسع من الشباب وترسيخ الاعتقاد بصحة منطلقاتها ووسائلها الإجرامية والاستفادة من ذلك في تعزيز وجودها الاجتماعي وبناء منظومة من الخلايا النائمة والناشطة في الوسط الاجتماعي التي تشكل في مجموعها قوة يمكنها التأثير الفعلي على المجتمع وحرف مسار تطوره الحضاري، وتلك ظاهرة تستهدف مكونات المجتمع كافة، وإن مشاهد الأحداث وما تعرضت إليه أماكن العبادة والمواقع الدينية والتجمعات الشعبية، وأوكار الإرهاب التي جرى اكتشافها في بعض البلدان تؤكد أن الخلايا النائمة للقوى الظلامية أخذت تنشط بفاعلية، وأن خطرها صار أكثر شمولية على أمننا المجتمعي والوطني. تهتك البنى المفاهمية للمجتمع ومخاطر التطرف الذي صار يدك حصون المجتمع جعلت هذه الظاهرة تكون في مقدمة اهتمام المسؤولين في منطقة الخليج.. ذلك ما يمكن تبينه من تأكيدات صاحب السمو حاكم الشارقة المنشورة في صحيفة «الرؤية» بتاريخ 16 أكتوبر 2014 حيث قال «للأسف الشديد ونظراً للظروف المختلفة والمتغيرة التي تحيط بالعديد من بلاد العالم، وخصوصاً منطقتنا في السنوات الأخيرة، نجد أمامنا الآن ملايين الأطفال واليافعين والنساء في حالة مأساوية قاسية». وتابع سموه أن «هؤلاء الأطفال واليافعين والنساء نزحوا من ديارهم هاربين من أهوال الصراعات والنزاعات المسلحة التي تدمر من دون تمييز كل ما هو أمامها من بشر وممتلكات، ويتجاهل منفذوها ما تنادي به الأديان السماوية كلها، وكل ما تحتويه التشريعات والقوانين المحلية والمواثيق الدولية من الحقوق الأساسية». إن ذلك الواقع رسالة معنونة إلى المكون الاجتماعي على اختلاف أطيافه وينبغي على الجميع التمعن الجيد في أبعاد مخاطره لإطفاء لهب ناره المستعرة. [email protected]