السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

الفرح ضيفاً

غرب شراع الفرح .. أهلاً أجانه الضيف حسبالي يسوه العتب ثاري العتب مرفوع ولمن لا يعرف قصيدة (خطار عدنه الفرح) للشاعر العراقي عزيز السماوي، فإن الأبيات التي بدأت بها حديثي جزء منها، فيها يصف الشاعر الفرح بالضيف (أو الخطار) ذي البقاء المؤقت والرحيل السريع، كأنه الطيف الجميل وسراب الحلم صعب الوصول، حتى إنه لا مجال للوم أو العتب! ولد الشاعر العراقي عزيز السماوي عام 1948 في محافظة الديوانية في العراق، ودفن عام 2001 غريباً في بريطانيا بعد صراع مرير مع المرض، انتهى بوفاته في الثامن من يونيو، وتكفي هذه الحقيقة المؤلمة لتختصر لنا حجم الوحدة والألم الصامت والمعاناة المكبوتة التي حملها معه الشاعر، ففجرها في أبيات قصائده القليلة عدداً، ولكنها شديدة التأثير خالدة البقاء لأحد أهم أعمدة الشعر في العراق. جاء ديوانه الأول بعنوان (قصائد للمعركة) عام 1968 كجهد مشترك مع عدد من الشعراء، هادفين منه وقفة أدبية شجاعة لدعم الثورة الفلسطينية، بعد أن اشتهر شعره حينما كان يُتِم تعليمه الجامعي في معهد الهندسة التطبيقية العالي في جامعة بغداد، ثم أعقبه بدواوينه «أغاني الدرويش» عام 1973، و«لون الثلج والورد بالليل» عام 1980 وأخيراً «النهر الأعمى» عام 1995. حيث يعد ديوانه الأخير واحداً من أهم ما كتب وما يقرأ من بين دواوين شعراء العراق، خصوصاً من كانوا في جيله من مثل: مظفر النواب وكاظم إسماعيل الكاطع، إضافة إلى أخيه الشاعر شاكر السماوي والشاعر علي الشباني. عن ديوانه «أغاني درويش» يتحدث الدكتور عبدالإله الصائغ فيقول: «كان سريعاً ما يألف الناس، وكان سريعاً ما يرتعب منهم ويهرول بعيداً بعيداً غير مصدق أن الناس خراب لأرواح مخلوقات منقرضة! هو درويش باختياره هو وبإرادته هو. فأي شيء يخشاه الدرويش حين يهيم في البرية. كل شيء ولاشيء». «العشبة والورقة هما زاد الدرويش زمن العبور إلى كهف الرؤيا. الدرويش شاعر رؤيوي. الشاعر درويش رؤيوي. الرؤيا طقس درويشي. ألم يقلها الدرويش الصوفي من قبل (نظري بدء علتي / ويح قلبي وما جنى)، ألم تقل افتتاحية جلجامش (هو الذي رأى كلَّ شيء) .. إذن لماذا لا يقول الدرويش السماوي رؤياه؟» جرب عزيز السماوي الأشكال الشعرية العراقية القديمة في بداياته، من مثل الأبوذية والدارمي والموال، متأثراً بالفلكلور الشعبي والأجواء الدينية المختلفة التي كان أصحابها على اختلاف مللهم ومذاهبهم واتجاهاتهم متعايشين بسلام في هذا الوطن الأم، ثم انتقل إلى كتابة القصيدة العامية الجديدة، خصوصاً فيما يتعلق بلهجة محافظته «الديوانية»، الأمر الذي ـ بطبيعة الحال ـ حد من انتشار وشهرة ما يكتب من أبيات يصعب على غير العراقيين من العرب فهم معانيها التي تتصف بالفلسفية والعمق مع رومانسية الصور وقوتها وجزالة الألفاظ. أما على صعيد الأدب العراقي فللسماوي دور كبير لا يمكن تجاهله في التجديد في بنية القصيدة الشعبية وتطويرها من حيث المعاني، وقد عمل على محاولة مزجها بالقصيدة الفصحى لابتكار لون جديد ومميز. هزت مآسي العراق عزيز السماوي فكتب وأجاد مواسياً الوطن إثر مجزرة حلبجة بقصيدة «جبل الأحلام» التي هي أشبه بالفيلم الوثائقي الذي يختزن كل لحظات الوجع المهولة، ويعرضها دامية في كلمات تكثف وقائع الجريمة كشريط صور فوتوغرافية واضحة حادة المعالم. تقول الكاتبة البريطانية (أليكس بيلم) عن دراستها لديوانه (النهر الأعمى): «من المؤسف حقاً أن نتاجات شعراء مثل السماوي غير مترجمة إلى اللغة الإنجليزية» .. وأضم صوتي إلى صوتها عسى أن يحظى عزيز السماوي وغيره من الذين تركوا بصمات فريدة خالدة في ديوان الشعر الكبير باهتمام الدارسين والباحثين، بعيداً عن الاختلافات قريباً من الحرية.