الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

طاح المطر من الله

كسر حوي عبدالله، طاح المطر من غيمة كسر حوي فطيمة، طاح المطر من رعوده كسر حوي سعوده .. وطاح طاح .. أهازيج جميلة وأمطار أجمل تروي أرض الخيرات والأماني المحققة. المطر حكاية عشق ربانية تحوي القصص والقصائد والبراءة والدفء، ارتواء بعد مواسم جفاف وفصول صيفية حارة مملة، المطر حالة استثنائية في فصل الشتاء الجميل، اللسعة القارسة ذات الدفء الحنون، المطر موقد النار والخبز الساخن وحب الانطلاق. المطر كوب من القهوة الساخنة ذات الرغوة الشهية المحلاة بسكر الحياة الأكثر بياضاً والأعمق تفاؤلاً. ما زال هناك في أعماقنا منذ الصغر الذكريات الجميلة لمواسم المطر كانت تزيدنا نشوة وانطلاقاً نحو المساحات الشاسعة لنجري على أقدامنا الحافية تحت المطر، نروي أحلامنا الصغيرة بعذوبته، نقبض حبات البرد المتساقطة فوق أسطح منازلنا ونهرسها تحت أضراسنا، نختبئ تحت مظلات الحب ودفء الأسرة الحانية، نردد الأهازيج الشعبية بصوت واحد، نبحث عن مكان يؤوي ملامحنا البريئة لنحتفظ بذكريات الحب العذري. ننتظر أمهاتنا بقرب موقد (الضو) (الطوبي) أو الوعاء النحاسي الدائري الذي كان يُخبز عليه القرص الشهي كخبز الخمير أو الجباب أو الرقاق لغمسه بشهية جوع في كوب الحليب الساخن، وقرب حافلة المدرسة من أبواب منازلنا بصوت (الهرن) توقظ سباتنا الشتوي، وتهزم كسلنا الطفولي. هكذا حين يأتي فصل الشتاء الآن يعيد كل شيء بشكل فطري، يناولنا طبقاً من الأمل والنشاط، رغم البرودة وبحثنا عن الأماكن الدافئة إلا أن فصل الشتاء له تفاصيل قادرة على إماتة الخمول وقرع أجراس النشاط والتأهب للرحلات البرية مع الأهل والمعارف. كما نعرف أن في عذوبة نزول الأمطار تناغماً ينعش الجسد وتتراقص أقدامنا تحته حتى مع أبنائنا رغم ذعرهم من سماع صوت الرعد وتلاحق ضوء البرق، إنهم لم يعلموا أن المطر كان في حياتنا رواية تختلف عن روايات اليوم، وقصائد شعرية ذات نغم وقفرات طفولية مجنونة. إنهم لم يدركوا كيف كنا نلهو طوال فصل الشتاء مع المطر ببراءة وارتواء، كل شيء يتمحور في فكرة الانطلاق بلا قيود، كان أجمل ما يقربنا إلينا العفوية ومصداقية النفس. [email protected]