الجمعة - 17 مايو 2024
الجمعة - 17 مايو 2024

عندما يرحل الكبار

ثمة صمت أعمق تعبيراً من الكلام، رحيل الأحبة فقدٌ يزن كواكب المجرة الكونية، اندثار القيم العابقة بالأصالة والوفاء، ثمة تفاصيل تختفي عن حياتنا تنثر رائحة الفقد بشكل وبائي، تصبح الأيام باهتة باردة جافة من دونهم، رحيل الكبار نوع من الهستيريا المعجونة بدهشة البكاء شديد المرارة. هناك من يرحلون من دون خبر بأن الموت قريب جداً منهم، ينزع أرواحهم بوجع .. يأخذهم ويترك لنا مرارة الفقد وسنوات كانت بهم تجمعنا، يصبح المكان خاوياً من تحركاتهم .. ذهابهم وإيابهم، كل شيء جامد .. هكذا تبدو الأماكن بعد رحيلهم وما أشد القسوة على الإنسان، عند مفارقة أحبته في غمضة عين. ويبقى الموت حقاً علينا، عندما تهدر الأصوات الإعلامية بنبأ رحيل أحد القادة والرؤساء العرب تشعر بأن هذا الشعب سيصبح يتيماً بالفعل، ليس لأنه فقط قائد لوطنهم، فأحياناً بعض القادة لهم مكانة عظيمة لدى شعوبهم بالمقارنة مع قادة آخرين لدى شعوب أخرى، لا تتحرك مشاعرها للحظة عند تلقي خبر مماثل. القادة الحقيقيون هم من تشعر بفقدهم فتفجع بالألم كونهم آباء لأبناء شعب بأكمله، قبل أن يكونوا قادة يُشار إليهم بالبنان .. رحيل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله، أعادنا لذلك العام الذي فقدنا فيه مؤسس وراعي نهضتنا المغفور له الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، تشابهت الأحداث واختلفت المسافات، وعاد الصمت يخيم على ملامحنا، ثمة قادة لهم رؤية عميقة وشد انتباه، وعاطفة أبوية صادقة تغرق شعوبهم بمشاعر الحب والولاء. وعندما تتشابه الأحزان تلتف سواعد الألفة بين الشعوب العربية والخليجية بالأخص، فما أرمي إليه هو النواة .. هو المبدأ والنقطة السامية للبداية، نحو فخر الالتحام الوطني المعطاء. رحيل الكبار علمنا أن القائد الفذ الحكيم صعب تكراره، تعلمنا منهم أن دروس مواجهة الفتن والحروب النفسية التي تدور في منطقتنا كان خلفها عقول رؤيتها حكيمة واضحة قادرة على انتشال بؤرة الفساد ونزعها بذكاء وحرص شديدين، وقادرة على نشر الأمن والأمان فوق أراضينا الخليجية، رحل عبدالله، ورحل فهـد، ورحل زايد، ورحل جابر، وبقي لدينا خير خلف لخير سلف. رحمهم الله جميعاً وأسكنهم داراً خيراً من هذه الدار، وجمعنا وإياهم في جنات الفردوس. [email protected]